يرفض الحوثيون منذ أكثر من أسبوعين إطلاق سراح الناشطة اليمنية أوفى النعامي والتي اعتقلها الجهاز الأمني للجماعة في 28 كانون الثاني/ يناير المنصرم وأودعها سجن جهاز الأمن القومي، وهو السجن الذي يقبع فيه عادة كبار الإرهابيين، واستقبل فيما مضى الكثير من قادة الحوثيين في السابق حينما كانوا جماعة محظورة.
أطلق الحوثيون سراح أمريكيين متهمين بقضايا جنائية وأمنية في صنعاء، بمن فيهم منتمون لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، قبضوا عليهم بأنفسهم في العام الأول من حرب السعودية في اليمن 2015 (بحسب جريدة نيويورك تايمز حينها). وكانوا إنسانيين للغاية مع جندي سعودي أسروه في ميدان المعركة، وأعلن زعيمهم مؤخراً عن إطلاق سراحه لدواع إنسانية. كذلك أطلقوا سراح سجناء من تنظيم القاعدة ضمن صفقات تبادل أسرى مع الجماعة الإرهابية. وأواخر 2017 تواطأ قادة أمنيون كبار في الجماعة، في واحدة من أكبر الجرائم: تهريب آخر مجموعة من الأقلية اليهودية في صنعاء الخاضعة لقبضتهم إلى إسرائيل، وقد استقبلهم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتينياهو بنفسه. وتلك جريمة مزدوجة تجاه اليمن وفلسطين (التي تزايد الجماعة بشعارات قضيتها)، كونها جهد فعال في تغذية الاستيطان اليهودي في فلسطين وتعمل على مأسسة دولة عنصرية تصفها الجماعة ب”الكيان الصهيوني”.
بالمقابل، يرفض الحوثيون منذ أكثر من أسبوعين إطلاق سراح الناشطة اليمنية أوفى النعامي والتي اعتقلها الجهاز الأمني للجماعة في 28 كانون الثاني/ يناير المنصرم وأودعها سجن جهاز الأمن القومي، وهو السجن الذي يقبع فيه عادة كبار الإرهابيين، واستقبل فيما مضى الكثير من قادة الحوثيين حينما كانوا جماعة محظورة، قبل أن يستلموا الدور في انتهاك حياة اليمنيين ودولتهم.
تمّ منع الاتصال بالنعامي منذ اعتقالها ولم تتمكن عائلتها من التحدث اليها أو رؤيتها حتى الآن، ولا يعرف أحد أي شيء عن أوضاعها. وأوفى نموذج للمرأة اليمنية المناضلة والمحترمة والملتزمة بحق جميع اليمنيين بحياة افضل.. لذلك فهي شابة تخيف الحوثيين لأنها تمثل – بمدنيتها وسويتها – الضد لكل أمراء الحرب المهيمنين على مقاليد الحياة في اليمن اليوم. أوفى لم ترفع سلاحاً بوجه أي يمني وليست عضواً في جهاز استخباراتي أجنبي ولا جندياً سعودياً، ولذا يصر الحوثيون على التنكيل بها.
لا تشبه رؤية أوفى للحياة ولليمن وللمستقبل وجهة نظر الحوثيين الذين يمتلكون تعريفاً واضحاً للمرأة اليمنية “المثالية” يمكن تلخيصه في الميليشيا المكونة من النساء والتابعة لهم (كتيبة “الزينَبيات”)، ومهمتها القيام بعمليات مداهمة المنازل وقمع واعتقال النساء اليمنيات.
مكان أوفى السجن بينما نّصبت الجماعة أكبر مهرب سلاح في اليمن والقرن الافريقي – فارس مناع – محافظاً على صعدة، معقلها الرئيسي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تنتهك فيها الجماعة حريات الفئات الأكثر ضعفاً ومدنية والأقل حماية في المجتمع، إذ سبق أن اختطفت واعتقلت عشرات الصحافيين، منهم قرابة العشرة لا زالوا في معتقلاتها منذ 2015 . وبينما تبادلت سجناء مع القاعدة، رفضت الكثير من الجهود الإنسانية في سبيل التخفيف من معاناة أسر المخفيين لدى الطرفين، فرفضت مثلاً جهود وساطة لإطلاق الصحافيين مقابل إطلاق سراح مدنيين من قبل الطرف الاخر.
أفكار جماعة الحوثيين ومبادئها هي “ما دون وطنية”، فهي ترى في سكان صنعاء كلهم رهائن يمكنها ان تفاوض على حياتهم، لا مواطنين تحت مسؤولية دولتهم. وقد رفضت تقديم أي تنازلات لاحراز تقدم في اعادة فتح مطار صنعاء في مشاروات ستوكهولم الأخيرة، واكتفت بانتزاع رحلات خاصة لاجلاء جرحاها المقاتلين، وهو ما يعني أنه لا يهمها الآف اليمنيين المرضى والذين يقضون بسبب اغلاق المطار. وقبلت حتى وجود مراقبين دوليين في الحُديدة (على الرغم من كل شعاراتها عن “السيادة”) لان المعركة الشاملة هناك، لو وقعت، فستمس مباشرة بمصالحها المالية: 320 مليون دولار سنوياً على هيئة جمارك وضرائب تتم جبايتها من موانئ المحافظة.
في السابق، كان “حزب الإصلاح” (الاخوان المسلمون) يطالب اليمنيين مراراً وتكراراً بالامتنان له فقط لأن مقره ليس في الشارع نفسه الذي يقع فيه مقر الحوثيين. واليوم يستنكر الحوثيون عدم امتنان اليمنيين لهم لأنهم أبعد “حبتين” من سلوكيات طالبان، ذلك أنه – “باستثناء الاخطاء الفردية”، فأنهم عادة يتأكدون من خلو منازل خصومهم من السكان قبل أن يقوموا بتفجيرها. ولأنهم يراعون أجندة النوع الاجتماعي للغاية، ويحترمون العادات والتقاليد اليمنية، فقد أنشأوا كتيبة خاصة من النساء لمداهماتهم المسلحة للمنازل والمظاهرات النسوية.
مشكلة الحوثيين الحقيقة ليست مع السعودية، مشكلتهم الحقيقية هي مع أوفى وزملائها وأخواتها. وهم لا يحتاجون لتوجيهات إيران في هذا الصدد، كما يقول الخطاب الغبي ل”الشرعية” و”التحالف”. فشطارتهم الخاصة في المجال كافية.
قد لا يعلم الحوثيون اليوم أنهم أيقظوا ذاكرة جميع اليمنيين، وأن أقرب يمني إليهم يمتلك في أحسن الأحوال صورة مضطربة حيالهم. لبداية النهاية أشكال كثيرة، منها الرعب والهلع من مواطنة عزلاء تعمل من أجل السلام.
تم نشر هذه المقالة في موقع السفير العربي