منذ حوالي شهر، كان زعماء إيران الشيعة والحكام السُّنَّة في المملكة العربية السعودية يتبادلون الشتائم على مقتل المئات من الحجاج الإيرانيين قرب مكة المكرمة. وقامت حكومة البحرين، التي لطالما وجهت لها انتقادات لقمع الأغلبية الشيعية في البلاد؛ قامت بطرد السفير الإيراني، بعد أن اتهمت إيران بنقل أسلحة إلى البحرين، ومحاولة إثارة “الفتنة الطائفية”.
وهاجم مجموعة من المتشددين من رجال الدين السنةِ في السعودية، التدخلَ الروسي في سوريا، وأصدروا نداءً طائفيًا لاذعًا يدعو للحرب المقدسة.
أثارت الأحداث على مدى الأسابيع الماضية المخاوف من مواجهة متسارعة في المنطقة بين الشيعة والسنة، مع تصاعد الصراع على النفوذ بين السعودية وإيران، وقيام متطرفين بمهاجمة المساجد الشيعية في الخليج الفارسي وإذكاء الخلافات الدينية الصراع المسلح في العراق وسوريا، والآن اليمن.
ولكن بينما يشتعل العنف ويعبر الحدود، يبدو القادة القوميون والدينيون حريصين أكثر من أي وقت مضى على إذكاء نيران الحرب، وتعبئة أتباعهم باستخدام النداءات الطائفية الضمنية أو المجردة حيث يتم تحويل الصراعات السياسية إلى صراعات دينية، وجعل احتواء سفك الدماء في المنطقة أكثر صعوبة، حسبما يرى الباحثون والمحللون.
“هذا أمر غير مسبوق، وليس لدينا خريطة طريق لوقفه”، كما يقول رامي خوري وهو زميل بارز في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. وأضاف “عندما تفشل الديناميات السياسية، يلجأ الناس إلى الدين. ونحن في هذه اللحظة الرهيبة التي نمر فيها بمرحلة انتقالية تحتل الطائفة مكانة بارزة في أذهان الناس”.
“ويتعمد المتشددون إثارة هذا العنف” واصل الحديث. “والحكومات غير المسؤولة تسمح بحدوث ذلك”.
بدت مخاطر الاستقطاب الطائفي واضحة لأكثر من عقد من الزمان، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق واحتلاله. وفي السنوات القليلة الماضية، تزايدت التوترات بسبب الحرب في سوريا.
وقد تسبب هذا العنف “في زيادة حدة النزاع الإيراني-السعودي”، قال السيد خوري. وجاءت أحدث الانتقادات الإيرانية على وفاة الحجاج بالقرب من مدينة مكة المكرمة خلال موسم الحج في الوقت الذي اتخذت فيه دول الخليج موقفًا متشددًا على نحو متزايد ضد ما يسمونه تدخل إيران في المنطقة، ومضت إلى أبعد من ذلك بشن هجوم عسكري واسع النطاق في اليمن بهدف هزيمة مجموعة من المتمردين يقولون إنها متحالفة مع الإيرانيين.
وبينما أقنعت الملكيات السنية مواطنيها بضرورة الحرب، يبدو أن حكام تلك الملكيات لم يستعدوا للتداعيات المحتملة: ففي عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية، قام متطرفون سُنَّة بشن هجمات دامية على المساجد الشيعية في الخليج الفارسي. كان آخرها يوم الجمعة، عندما أطلق مسلحٌ في المنطقة الشرقية في السعودية النارَ على مصلين شيعة مما أدى إلى مقتل خمسة من المصلين.
وقد أشعل قرار روسيا بالتدخل في سوريا إلى جانب حكومة بشار الأسد وإيران وحزب الله، الميليشيا الشيعية اللبنانية، دعوات للانتقام أطلقها متشددون من رجال الدين السعوديين المعروفين باسم السلفيين، ولكن دعت أيضًا الجماعات الإسلامية المعتدلة مثل الإخوان المسلمين في مصر إلى الانتقام، ووصفت السيد الأسد بأنه “مجرم علوي غادر”.
كما دعا رجالُ الدين السعوديون، الذين عملوا على تشويه سمعة خصومهم منذ فترة طويلة، بما في ذلك المسلمون الشيعة والعلويون، إلى استهداف “روسيا الصليبية الأرثوذكسية”.
في بيان على الإنترنت وقعه 55 من رجال الدين، حذروا من أنه إذا هُزِم “المجاهدون” في سوريا، فإن الدول السنية ستسقط أيضًا “الواحدة تلو الأخرى”.
قالت مضاوي الرشيد، وهي أستاذة زائرة في مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد؛ إن اللهجة الطائفية القوية للبيان تمثل هذا النوع من التصريحات التي جعلت من الصعب جدًا احتواء الأعمال العدائية في المنطقة.
“إن اللغة الطائفية تنطوي على القضاء والتصفية، وهذه كلمات من الخطير جدًا أن تستخدم في أي صراع”، قالت الدكتورة رشيد. وأضافت “فهي تجعل من إمكانية رؤية مساحة للحوار والحلول السياسية أو حلول وسط أمرًا أكثر صعوبة. فالصراعات الدينية يصعب حلها أكثر من تلك السياسية”.
ومن خلال التذكير بما جرى في أفغانستان، فإن البيان “يستدعي فكرة الشهادة وقتال الكفار”، وأضافت، بما ينذر بـ”حرب طويلة”.
وقال حسن حسن، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس في بريطانيا ومؤلف مشارك لكتاب “داعش: داخل جيش الإرهاب”؛ إن مشاركة روسيا في الحرب السورية قد يشكل “عامل تعبئة” للسنة، وليس فقط المتطرفين منهم. فهناك أشخاص عاديون غاضبون من الحرب ومقتنعون بأن القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة، تتواطأ لدعم حكومة الرئيس الأسد.
“لا يجب أن تكون من الجهاديين حتى تعتقد أن هذه لعبة قذرة”، قال حسن.
كان أحدث مصدر للإزعاج هو الحرب في اليمن، حيث يقاتل تحالف من الدول السنية مدعوم من قبل الولايات المتحدة، جماعة متمردة يقودها الشيعة معروفة باسم الحوثيين. وقد بررت قوات التحالف الذي تقوده السعودية التدخل في جانب منه بأنه محاولة لصد النفوذ الإقليمي لإيران.
“كانت هناك حاجة خليجية مشتركة إلى الوقوف في وجه التمدد الإيراني”، كتب عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الأسبوع الماضي في مقال في صحيفة أخبار الخليج، مبررًا القرار الذي اتخذته الإمارات للذهاب إلى الحرب. “كان اليمن المكان الأمثل لرسم الخط”.
ويعتقد العديد من المراقبين الخارجيين، بما في ذلك مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون؛ أن دول الخليج تبالغ كثيرًا في درجة النفوذ الإيراني على الحوثيين. وقد أرسل المتمردون مقاتلين، بما في ذلك المراهقون، إلى المعركة، مع التحذير بأن جميع خصومهم هم من المتطرفين السنة.
تُركَ اليمن لمواجهة عواقب وخيمة للحرب على نحو متزايد، بما في ذلك إذكاء نار الطائفية. وبينما يزداد ضعف الدول، كما هو الحال في سوريا والعراق، يخلق غياب سلطة سياسية مهيمنة الظروف لازدهار التطرف وإذكاء الهوية الدينية، كما يقول المحللون.
“ليس هناك قيادة ولا حكومة ولا دولة”، قال فارع المسلمي، وهو باحث زائر من اليمن في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. “ليس هناك أجندة وطنية، فقط الكثير من البنادق”.
وقال إن علامات زيادة الاستقطاب بدأت في الظهور في السنوات القليلة الماضية، وذلك عندما حارب الحوثيون السلفيين في شمال اليمن. وفي الفترة التي سبقت حرب مارس، اقتحم الحوثيون صنعاء العاصمة، وتصاعد الصراع مع المتشددين السنة، بما في ذلك فرع تنظيم القاعدة المحلي. وتم اغتيال شخصيات سياسية معتدلة على يد مسلحين في شوارع صنعاء وعدن في الجنوب.
ذات مرة، ذكرت قناة فضائية سعودية خبر هجوم انتحاري على مسجد بعد أن بدأت الحرب، مشيرة إلى المكان “بمسجد للحوثيين”، قال السيد المسلمي، على الرغم من أن الطائفة الزيدية الشيعة في اليمن تعتبر أقرب مذهبيًا إلى السنة من التيار الشيعي العام.
“قلت لنفسي لقد عبرنا حدًا جديدًا. مرحبا بكم في العراق”، قال السيد المسلمي “ومرحبا بكم في سوريا”.
ومع سيطرة الجيوش والميليشيات الدينية والجماعات المتطرفة على الأمور في جميع أنحاء المنطقة، “ضاع المعتدلون”، قال الدكتور عبد الله، الأستاذ الإماراتي.
“لقد أطلق العنان لقوى التطرف بشكل لم نشهده من قبل. هل هذا هو أبعد ما يمكننا أن نصل إليه؟ ربما لا”.