إذا أردنا أن ننظر لما يمكن أن تخلفه حرب ما من الوفيات العبثية والدمار، فلننظر إلى تلك الحرب الدائرة في اليمن. الحوثيون، القوة المتمردة التي أطاحت بالحكومة من العاصمة صنعاء في وقت سابق من هذا العام لا تزال بعيدة كل البعد عن هدفها المتمثل في حكم البلاد. لا تمتلك الحكومة سوى قبضة هشة على المناطق التي تحتفظ بها أو تلك التي تم تحريرها من أيدي الحوثيين. الحملة العسكرية التي تقودها السعودية لإعادة الرئيس «عبد ربه منصور هادي»، لا تحظى بشعبية وتزيد فقط من تفاقم الأمور.
وفرت هذه الظروف بيئة خصبة لنمو مختلف المجموعات المسلحة من فصائل الجهاديين. في 6 ديسمبر/كانون الأول، أعلن فرع تنظيم «الدولة الإسلامية» في اليمن مسؤوليته عن زرع القنبلة التي تسببت في مقتل «جعفر محمد سعد» محافظ مدينة عدن الجنوبية.
نجحت الحكومة مؤخرا في استعادة عدن من قبضة الحوثيين ولكن فشل الفريق المختلط الموالي لها في إحكام سيطرته الأمنية على المدينة. وصار بعض المسؤولين الذين كانوا يأملون في إدارة الحكم من الميناء الساحلي مذعورون لدرجة أنهم لا يقومن سوى بزيارات خاطفة إلى هناك.
المجموعة الرئيسية التي تدعي تبعيتها للدولة الإسلامية في اليمن الآن هي مجموعة جديدة نسبيا. ولكنها قامت بتبني سلسلة من التفجيرات الانتحارية ضد كل من الحكومة المعترف بها دوليا وضد الحوثيين. وقد استغلت بذلك الفراغ الناجم عن تراجع المجموعة الإرهابية السنية الرئيسية والتي تأسست منذ فترة أطول في اليمن، والمعروفة بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
وقد تلقى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضربة قوية بعد مقتل زعيمه «ناصر الوحيشي»، من قبل طائرة بدون طيار أمريكية في يونيو/حزيران الماضي. وعلى الرغم من اغتيال قائدها، فإن المجموعة الجهادية لا تزال أبعد ما يكون عن التلاشي والانهيار. استطاع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن يستولي مؤخرا على اثنين من المدن الجنوبية بما في ذلك زنجبار، عاصمة محافظة أبين، والتي تبعد 50 كيلومترا فقط شمال شرقي عدن.
بعد مرور ما يزيد بقليل على 9 أشهر من الحرب، لا يزال اليمن يذهب من سيئ إلى أسوأ. ويعتقد أن عدد القتلى الآن يتجاوز ستة آلاف قتيل وهناك نقص في المعروض من المواد الغذائية، التي تصير أكثر ندرة بمرور الوقت. وقد دمرت الطرق والمدارس والمتاجر والمنازل في المعارك والصف وتحولت إلى ركام. بينما يشكو عمال الإغاثة أن تحذيراتهم لا تلقى آذانا صاغية وأن عمليات قوات التحالف تزيد الأمور سوءا.
وفي الثالث من ديسمبر/كانون الأول، قال منظمة أطباء بلا حدود، وهي مؤسسة طبية خيرية، إن السعوديين قد قصفوا واحدة من عياداتها الصحية المتنقلة في تعز، ثالث أكبر المدن اليمنية. وفي علامة على إحباطهم من الحملة السعودية، فقد وجهت وكالة الاستخبارات الألمانية انتقادات مباشرة إلى المملكة العربية السعودية.
جميع الأطراف الآن تقع تحت ضغوط من أجل الذهاب إلى محادثات السلام التي تديرها الأمم المتحدة في 15 ديسمبر/ كانون الأول الحالي. لكن احتمالات السلام لا تزال قائمة. وقد أسفرت الجولات السابقة من هذه المحادثات عن لا شيء. لم تكن هناك أي مؤشرات على استعداد لتقديم إجراءات حسن النوايا، كقيام الحوثيين بالإفراج عن السجناء أو قيام قوات التحالف برفع الحصار عن البلاد. القتال من أجل تعز لا يزال مستمرا. «إن أطراف الحرب يعرفون كيفية تدمير الأشياء»، وفق ما قاله «فارع المسلمي» من معهد كارنيغي للسلام الدولي. وأضاف: «ولكنهم جميعا لا يعرفون شيئا عن كيفية الحكم».