هيغ نايلور
لأكثر من ثلاثة عقود، كان لدى علي عبدالله صالح قبضة محكمة على السلطة في هذه الدولة العربية الفقيرة، كسب الحرب الأهلية، تحكم بحذاقة في القبائل المضطربة وفاق دهاؤه دهاء خصومه السياسيين. بعد ذلك أجبرته ثورة على ترك الرئاسة في العام 2012م.
“كنت محقاً جداً في التخلي عن السلطة.” هذا ما قاله صالح في مقابلة أجريت معه يوم الثلاثاء في باحة مجمع إقامته السكنية المترامي الأطراف. قال إنه يمضي وقته هذه الأيام في إجراء العلاج الطبيعي ليتعافى من الجروح التي أصيب بها أثناء الثورة.
إلا أن العديد من اليمنيين يؤمنون بأن صالح لم يتخل فعلياً عن سلطته. وعلى نطاق واسع أُتُ�’هِمَ باستخدام ثروته وعلاقات عائلته ونفوذه على قادة الجيش والقبائل لدعم التمرد الذي أطاح بالحكومة المدعومة من الولايات المتحدة، حكومة عبد ربه منصور هادي في الشهر الماضي.
الآن، بينما يواجه اليمن مستقبلاً غامضاً والذي قد يشتمل على حرب أهلية وتشظي البلاد، فالرئيس السابق البالغ من العمر الثانية والسبعين هو لاعب أساسي وفقاً لما يقوله النقاد والمحللون والدبلوماسيون الغربيون.
انعكاسات هذه الأزمة تتخطى اليمن: تخشى حكومة الولايات المتحدة أن تقوي هذه الفوضى متمردي تنظيم القاعدة ويؤدي ذلك إلى الإضرار ببرنامج الطائرات الأمريكية من دون طيار.
في إشارة إلى مسار البلد المثير للقلق، قالت بريطانيا وفرنسا يوم الأربعاء بأنهما ستغلقان سفارتيهما في اليمن. جاء القرار عقب يوم واحد من إعلان الولايات المتحدة عن خطط مشابهة.
قال فارع المسلمي، المحلل اليمني والباحث الزائر لمركز كارنيج لشئون الشرق الأوسط الذي يتخذ من بيروت مقراً له: “صالح تخلى عن الرئاسة ولكنه لم يتخلى عن السلطة.”
بصورة عامة لم يصب نفوذ صالح بأي أذى بسبب العملية السياسية الانتقالية المدعومة دوليا والتي منحته حصانة من الملاحقة القضائية وسمحت له بالبقاء في اليمن بعد ما تمت تنحيته. استمر في رئاسة حزبه القوي الذي أسسه، حزب المؤتمر الشعبي العام.
قال أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي يتمركز في المنطقة وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: “واضح لكل شخص أن له دورا في هذه الفوضى. ما من شك أن هذه كانت المغامرة المشتركة له مع الحوثيين.”
سيطر الحوثيون الذين هم أتباع المذهب الزيدي فرع الإسلام الشيعي، على العاصمة ذات الأغلبية السنية من المسلمين في شهر سبتمبر وبثبات أحكموا قبضتهم على السياسة. في يوم الجمعة، حلت الجماعة البرلمان وأعلنت عن تشكيل حكومة انتقالية. أعلنت حكومة الولايات المتحدة يوم الثلاثاء عن إغلاقها لسفارتها في صنعاء بسبب الوضع الأمني.
في المقابلة، أنكر صالح، الذي ارتدى بزة بحرية مخططة وأصر على تقديم الفاكهة للضيوف، الاتهامات القائلة بأنه دعم سيطرة الحوثيين أو لعب دوراً في اضطرابات اليمن الحالية. ووصف تلك الاتهامات بأنها “دعاية” أصدرتها الأحزاب السياسية المنافسة.
ومع ذلك اعترف صالح بأنه ظل فعالا في السياسة – يعقد مناقشات يومية مع المسئولين والشخصيات القبلية في منزله، مجمع سكني محاط بسور وبعشرات من الحراس الأمنيين.
قال صالح إنه لم يتفاعل أبداً مع زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي. ولكن حزب الرئيس السابق منخرط في الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة مع الحوثيين والجماعات الأخرى، والذي يهدف إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة. قال صالح إنه يأمل في إقناع جماعة الثوار بالتراجع عن قرارهم بحل البرلمان.
وقال إن كان هنالك أحد يُحمل مسئولية هذه الأزمة فهو هادي. قال صالح “من الطبيعي أن يصبح الحوثيون مسيطرين بسبب غياب دولة قوية.” متذرعاً “بضعف” هادي كسبب لهذا الاحتلال.
أقر محللون بأن سخط العامة على هادي، في الحقيقة، هو أحد أسباب قدرة مقاتلي الحوثي على دخول العاصمة دون مقاومة تذكر. فالفساد متفش، وحققت حكومته تقدماً قليلاً لإنعاش الاقتصاد المشلول. قالوا إن هادي أقصى العديد من الضباط العسكريين في محاولته لإعادة هيكلة القوات المسلحة.
ولكن هنالك دلائل منذ تولي هادي تشير إلى أن صالح ربما شجع الاضطرابات.
في شهر نوفمبر، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقوبات على صالح واثنين من قادة المتمردين الحوثيين، متهما إياهم بعرقلة العملية السياسية وتهديد استقرار اليمن. في مقابلة يوم الثلاثاء، وصف صالح العقوبات الأممية بأنها مناورة سياسية تدعمها الولايات المتحدة.
قال المحلل السياسي عبدالغني الإرياني بأن الموالين لصالح ومن بينهم ضباط في الجيش بدأوا في تدريب المقاتلين الحوثيين في معقل المتمردين في الشمال تقريباً في الوقت الذي أصبح فيه هادي رئيساً في أوائل عام 2012.
قال الإرياني: “أرسل الضباط السابقون للعمل مع الحوثيين، ومن ثم، في العام الماضي، انضم الضباط إلى الحوثيين في السيطرة على العاصمة.”
كما أقنع صالح عدة قبائل زيدية في الشمال بدعم الحوثيين، وفقاً لما قاله الإرياني. غالباً ما كانت هذه القبائل تنافس بعضها بعضا من أجل النفوذ. إلا أن صالح، الذي هو أيضاً من الزيدين، استغل مخاوفهم من فقدانهم لنفوذهم في حكومة هادي.
لا يوجد حب مفقود بين صالح وخلفه في الرئاسة. حل هادي الحرس الجمهوري الذي يخضع لقيادة ابن صالح، أحمد، الذي كان يجري إعداده لتولي الرئاسة قبل انتفاضة العام 2011م.
منافع متبادلة؟
فقط قبل أعوام قليلة كان التحالف بين الحوثيين وصالح يبدو احتمال بعيدا. عندما كان رئيساً خاض صالح ستة حروب وحشية لإيقاف التمرد الحوثي الذي أشعله الغضب من إهمال الحكومة لمنطقتهم.
إلا أن مسئولين في الحركة المتمردة قالوا إنهم يرغبون في تجاوز هذه الصراعات. قال ضيف الله الشامي، الزعيم السياسي للحوثيين “ليس لدينا مشاكل شخصية مع أحد.”
يرى العديد من المحللين دلائل على وجود علاقة منافع متبادلة بين صالح والحوثيين. في أثناء هجومهم في شهر سبتمبر على العاصمة، فعلى سبيل المثال، اجتاحت القوات الحوثية قوات اللواء علي محسن الأحمر، الذي انقلب على صالح في أثناء ثورة الربيع العربي في العام 2011م ووقف مع المعارضة.
قال سعيد العيري، وهو عضو في الحزب السياسي المنافس، حزب الإصلاح “يريد صالح أن يهزم خصومه لكي يبرز من جديد على أنه الزعيم الوطني، وتعاقد الحوثيين من الباطن كوسيلة للقيام بذلك.”
رفض صالح هذه الاتهامات قال بأنه لا يطمح في العودة إلى الرئاسة، أو ينصب ابنه لهذه الوظيفة. ولكنه ألمح أين تكمن اهتماماته.
هذه الأيام يقوم صالح بالسباحة اليومية في مسبحه. سأل زائرٌ عما إذا كان يستمتع بذلك. هز صالح رأسه وقال بابتسامة متكلفة “أنا من يسبح في السياسة.”