لقد مر عام يا رجل ، واجدني لا ازال غاضبا منك – اكثر من كوني حزينا – بسبب هذا المزاح الثقيل الذي تهواه ، والذي طال اكثر مما يجب ، واصبح عليك التوقف عن هذا الغياب العنيد.ثمة اشياء كثيرة كان يجب علينا على الاقل استكمالها قبل هذا الغياب الطويل ، وثمة الكثير من الضحك والسخرية التي يجب ان تتم نحو هؤلاء الاوغاد الذين يعبثون باليمن ناجين حتى من السخرية اللاذعة التي كنت تصوبها نحوهم.فتماشيا مع الوضع اليمني اان الاوان ان نؤسس منظمة “دبور” ( ديموقراطية بدون وجع راس) على حد حلمك الساخر، كما لا يزال علينا ان نؤلف “راس المال والضمار” عن “اليسار” اليمني التالف.ثمة اشياء كثيرة ايها الخليل نجوت منها، مع ان رحيلك لا يبدوا الا احدى قراءاتك الدقيقة جدا ، مستشرفا قبلنا – بتفرد- انه لم يعد للخلاص طريق في بلد قلت يوما ان مؤتمرات الحوار والتهدئة عند ساسته تشبه (العازل ) : يستخدمه القادة السياسيين حينما يريدون الاستعداد لاغتصاب بعض.
كنت اتذكر كل ذلك بالامس واقهقه بضحكة لا تخلوا تماما من المرارة العامة و الشخصية.
و حينما ابلغني الطبيب بانه قد يضطر الى منعي من السفر الطويل بالطائرة الى الابد ، ابتسمت بهدوء. فاستغرب ردة الفعل الهادئة من شخص في ال24. لقد صعقه تقبلي البارد للخسارات الكبيرة المحتملة ، واستهجن تصالحي معها فهو لم يكن يدرك ان هذا التاريخ تحديدا هو يوم خساراتي المشؤوم.
اذ انه قبل عام بالضبط، دخلنا الخسارات العامة والشخصية من اوسع الابواب، ولم يعد الكثير يُضحك او يُفقد منذ حينها.
تذكرت ذات جنون حين طرت من واشنطن الى اسطنمبول ومن هناك الى صنعاء وطرت انت من ليبيا الى القاهرة لنصل صنعاء بعد نصف ليل نشرب شاهي شيباني ثم امضغ القات حتى ال6 واحلق مجدد الى جدة من ثم بيروت وانت في وجهة اخرى ، ولم ننتبه اننا كنا حينها اكبر مجنونين محظوظين على درب التبانة.
في البداية صمت متجشئا كل تلك الرحلات التي جعلت من الجو موطنا موازيا لنا ، لاتذكر الان بوهن قول طه الجند:
” هذا الشاب المتدفق كشلال ،،، صار في الخمسين من عمره”.
أتأمل الآن آخر لقاء لنا ببيروت ، كان يختلف كثيرا عن الأول الذي سمعنا فيه وعبود أغنية ” يا دامي العينين ، إن الليل زائل “.
المرة الأخيرة اشترينا ديوان درويش الاخير ” لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي ” ، وسمعت بشكل غير منظم :
” اقترب الموت مني قليلا
فقلت له: كان ليلي طويلا
فلا تحجب الشمس عني
فأدى تحيته العسكرية للغيب
ثم استدار وقال :
إذا ما أردتك يوما وجدتك
فاذهب”.
بعدها قرأت أنت :
” انتظر أنت،
عشْ أنت بعدي،
فلا بدّ من شاعرٍ ينتظر”
كان القدر يقوم بتوديع ثنائيتنا ربما ، بينما نحن نحاول صنعه , تراءى كل ذلك في ذهني للحظة وأنا أفكر اليوم ( بعد عام ميلادي كامل على لقائنا)لأقول للطبيب : ” ما بعرف ، يمكن لأني أشك بلتزم بتعليماتك ” وأخرج متخففا من كل أخباره السيئة.
عدت إلى البيت محاولا الاستمرار في عزلتي عن النت وأخبار البلاد السيئة ، غابطا إياك وحاقدا عليك لعزلتك الأجمل والأطول والأكثر هدوءا .
هذا ليس نعيا ، فانت تعلم اني لا اجيده حتى وان كنت قد اجدت الغياب مؤخرا. لكنه استحضاراً لهالة ورؤية ثاقبة ومتحدية وجبارة شكلتها حاضرا وغائبا.
”
لا تخافي يا أمُّ.. للشوق أيدٍ تنتقي أخطر اللغى، كي تبينا
ولكي تنجبي البنينَ عظاماً حان أن تأكلي أبرَّ البنينا ”
عبدالله البردوني
الصورة : 3 ، فبراير ، 2011 – ساحة التغيير