نسبة من تقع أعمارهم بين العشرين والثلاثين بأكثر من 50 في المئة من مجموع السكان في اليمن. لكن هذه النسبة الكبيرة لا تحظى بدور يتوازى مع حجمها في الشأن العام، وداخل الأطر القيادية للأحزاب السياسية خاصة، حيث لم يزل الشباب والنساء لدى هذه الأحزاب مجرد أصوات انتخابية تُحشد موسميا لأداء المهمة ثم العودة إلى سباتها حتى تستدعيها القيادات التاريخية للقيام بالدور نفسه في الموسم الانتخابي التالي.
“شقاة” أي عمال مياومين
تؤكد أدبيات معظم الأحزاب على رعاية الشباب وإشراكهم، كأدبيات حزب الإصلاح الإسلامي التي تنص على «رعاية الشباب وإعداده وتربيته تربية إسلامية واعية وتنمية قدراته العقلية والبدنية بكل وسائل التوجيه والترويح والرياضة الهادفة ليتمكن من الإسهام في بناء اليمن ونهضته» (كما ورد في نظامه الأساسي). إلا أن هذه النصوص لا تلقى طريقها للتنفيذ العملي، وحتى مع اعتبار حزب الإصلاح مقارنة مع الأحزاب الأخرى أكثر نشاطاً في تنفيذ العديد من الأنشطة الثقافية والعلمية والتنظيمية لأعضائه الشباب، كإقامة المحاضرات وعقد الندوات، فإن غالبها يصب في ترسيخ العقيدة التنظيمية التي تستدعي الولاء والطاعة قبل الفهم والاقتناع، مما لا يتحول إلى إتاحة وتمكين للشباب. وهم في هذا شأنهم شأن سائر الأحزاب.
وقد وصف أحد الشباب دورهم الحزبي بأنهم «حشود الثورات ووقودها»، وآخر يسميهم بـ«شقاة الأحزاب» (الشاقي هو العامل بأجر يومي) كونهم يقومون بتنفيذ ما يخطط لهم القادة دون إشراكهم في عملية التخطيط، إضافة إلى تكليفهم ببعض الأعمال اليدوية كتعليق اللافتات والملصقات وإعداد أماكن إقامة الاحتفالات والمهرجانات السياسية، ومساعدة بعض قياداتهم في استخدام التقنيات كالكمبيوتر والانترنت والهواتف المحمولة…
كانت الباحثة سهى باشرين قد حذرت من أن الاستمرار في استبعاد الشباب من قيادة الأحزاب قد يصل بها إلى الانقراض، لا سيما بعدما ما بات ظاهراً من عزوف الشباب عن العمل الحزبي في الآونة الأخيرة، نتيجة عدم طرح الأحزاب لأنفسهم كمنابر للتحديث يمكن للشباب من خلالها إسماع أصواتهم، وهو ما ساعد في وقوعهم في ساحة تنظيمات متشددة تفتح ذراعيها أمام الشباب على مصراعيه.
تاريخ الحزبية والشباب
ظلت الحزبية محرمة حتى العقد الأخير من القرن العشرين، حيث عرف اليمن قبل ذلك نظام الحزب الواحد (المؤتمر في الشمال، والاشتراكي في الجنوب)، أو العمل الحزبي السري، فلم يقر الدستور اليمني التعددية السياسية كحق أصيل لجميع المواطنين إلا عام 1990 في دستور دولة الوحدة اليمنية.
مع ذلك، شهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ولادة العمل الحزبي لأول مرة، كامتداد للأحزاب والحركات القومية العربية – مع وجود تجارب وطنية سابقة كالاتحاد اليمني في الأربعينيات – حيث استقطبت حركة القوميين العرب بعض طلاب الجامعة الأميركية ببيروت إلى صفوفها.
كما حدث الأمر ذاته مع حزب البعث للطلاب اليمنيين الدارسين في بغداد ودمشق، وفي القاهرة مع حركة الإخوان المسلمين، ليعود هؤلاء الشباب ويؤسسوا تنظيماتهم الحزبية الوطنية، سراً، وكامتداد لهذه الأحزاب. وفي ما بعد نجحت القومية العربية اليسارية في إقامة نظام اشتراكي في جنوب اليمن، وقاد التنظيم الناصري أول محاولة انقلاب ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وذهبت معظم قيادات الحزب ثمنا له.
خلال فترة العمل الحزبي السري كان الشباب هم القادة ووقود التغيير والتضحيات المتعاقبة في ظل أنظمة قمعية، وفي محيط اجتماعي تغلب عليه الأمية والنخب المتمسكة بالتقليدية وموالاة الحاكم . وتحول بعض هؤلاء الشباب (سابقا) إلى كهول ومسنين مسيطرين، يحولون دون تجدد الحياة في الأوردة الحزبية، ويتعاملون كوصاة على الشباب والبلاد .
الحقيقة ان شباب اليوم، منذ ولاداتهم وحتى اللحظة، يسمعون الأسماء نفسها التي تتولى قيادة أحزابهم. بل ان علي عبد الله صالح، رغم تسليمه كرسي رئاسة البلاد، لم يسلم رئاسة حزبه منذ تأسيسه في 1982 حتى اليوم. وقيادات الحزب الاشتراكي تسلِّم من قديم إلى قديم، كما هي حال الناصريين، وحزب رابطة أبناء اليمن الذي يرأسه الشخص نفسه منذ عقود، واتحاد القوى الشعبية الذي يقوده زعيمه من بلد خارج اليمن.
تداول السلطة؟؟
في الوقت ذاته، فإن هذه الأسماء المؤبدة على رؤوس الأحزاب، لم تتوقف لحظة عن المطالبة بالتداول السلمي للسلطة، وكأنها ستستمر على رأس أحزابها حتى تتسلم السلطة يدا بيد، لشخوصها وليس لأحزابها، في تناقض فاضح بين الخطاب والممارسة.
أمام كل هذا الجمود الزمني في أجساد الأحزاب اليمنية وأرواحها، هناك مسالك جديدة وخالية بانتظار الطاقات الشبابية المتجددة، تتمثل في التيارات الدينية المتشددة، كتنظيم القاعدة وحركة الحوثيين، والسلفيين، والإصلاح (الإخوان) كذلك… ويكفي مطالعة الصفحات الاجتماعية في الصحف الحزبية لتجد صحيفة الإصلاح («الصحوة») ممتلئة بتهاني الزواج لشباب الحزب بينما صحيفة الاشتراكي («الثوري») مكتظة بتعازي رحيل مناضلي الحزب القدامى، ليعكس ذلك مدى عزوف الشباب عن العمل الحزبي المجرد ذي البرامج السياسية, وانصرافهم إلى اللحاق بالأحزاب/الحركات الدينية بتياراتها ومذاهبها المختلفة. وهذه بدورها تربيهم على الولاء والطاعة.
الشباب والانتفاضة والحوار الوطني
في شباط/ فبراير 2011، كان الشباب في طليعة الخارجين على النظام السابق والمطالبين برحيله، مستقلين وحزبيين، بمن فيهم شباب الحزب الحاكم نفسه حينها (المؤتمرالشعبي) الذي فقد السيطرة على عدد ضخم من كوادره الشبابية.
وقد سبق شباب الأحزاب تنظيماتهم إلى الساحات بدوافع ذاتية ومتعارضة أحيانا مع رؤى أحزابهم التي لحقت بهم بتأخير، وأدارت اللعبة بعيدا عنهم، لدرجة أن كثيرا من هذه الأحزاب لم يلتزم بالنسبة المحددة للشباب من أعضائها عند تسمية ممثليها في مؤتمر الحوار الوطني، التي جرى التوافق عليها، ليصاب الشباب بخيبة أمل كبيرة جراء ذلك التجاهل والتهميش المقصودين. وحتى عند تقاسم حقائب حكومة الوفاق الوطني بين حزب صالح («المؤتمر الشعبي») والأحزاب التي ثارت ضده (أحزاب «اللقاء المشترك»)، فلا يوجد اسم واحد من الشباب باستثناء ربما 3 وزراء أقرب إلى الشباب (في نهاية الأربعينيات من أعمارهم!).
وقد أوضحت لجنة الحوار الوطني أن نتائج التحليل لقوائم الأحزاب والحركات السياسية جاءت غير مطابقة للنسب المحددة، بل جاءت بعض نسب تمثيل الشباب صفرية. وتجاهل الأحزاب السياسية للشباب فضيحة أخلاقية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون فضيحة سياسية.
المجتمع المدني
ما سبق لا يعني خمول أو جمود يعانيه الشباب اليمني. فرغم عزوفهم عن اللحاق بركب الأحزاب مؤخرا، إلا أنهم كما أسسوا وقادوا التجربة الحزبية في بواكيرها الأولى، يقودون اليوم منظمات المجتمع المدني كبديل من الأحزاب للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم، ومشاركتهم في الشأن العام.
فمعظم المنظمات المدنية النشطة قادتها من الشباب، ومن الجنسين أيضا، وهذا قد يكون مؤشرا جيدا لمستقبل الشباب في المشاركة السياسية، بل ربما تشهد الانتخابات المقبلة أول تمرد ميداني للشباب ضد أحزابهم وفقا لمؤشرات المشاعر السلبية التي يحملونها اليوم عن أحزابهم وهي تتنامى كل يوم.