السلطات الأمنية اليمنية مؤخراً بترحيل الصحافي الأميركي آدم بارون، كما منعت صحافيا أميركيا آخر يدعى تيك روت من دخول البلاد، وأعادته على الطائرة التي أتى على متنها. فيما قامت بترحيل صحافييَن في قناة الجزيرة من محافظة شبوة الى العاصمة صنعاء على متن طائرة عسكرية ومنعتهم من تغطية الحرب في اليمن. الهوس والتوجس من الصحافة ليسا جديدين على النظام في اليمن. وقد جرت العادة أن تنشغل الحكومة بإيجاد كافة السبل لتركيع الصحافيين وقادة الرأي، وآخرها قانون خاص بالصحافة يحيل الكتٌاب والصحافيين إلى قوانين من ضمنها قانون العقوبات الذي يتضمن عقوبة الإعدام. فيما تركع هي أمام بندقية أي مسلح قبلي.
أما المؤسسات الإعلامية التابعة للحكومة فتستعيد أسلوب تمجيد الحاكم نفسه أسوة بحقبة علي عبد الله صالح. فتُظهر من الأخبار ما يخدم السلطة فقط، وتبرر تقاعسها عن أداء مهامها بشيطنة أطراف أخرى محملة إياها المسؤولية.
الصحافي اليمني محاصر!
بالإضافة إلى تهديد السلطة للصحافيين وقادة الرأي، تلعب القوى الدينية دورها في وضع الخطوط الحمر أمام الكتاب المهتمين بقضايا الفكر. وفي حال تجاوز هذه الخطوط، فأقل ما يمكن أن يتعرض له أي متجاوز، فتوى تكفيرية تجعله عرضة لتهور أي مجتهد. وهو ما حدث مع فكري قاسم وعبد الكريم الرازحي وبشرى المقطري. أما الخطوط الحمراء المفروضة من قبل السياسيين، فمختلفة بعض الشيء. وإذا تجرأ اي كاتب على تجاوزها تتراوح عقوبته بين صرفه من عمله وفقدانه مصدر دخله، أو نشر شائعات منظمة تتهمه بالعمل لصالح أطراف داخلية أو خارجية مما يؤدي الى فقدانه ثقة القراء وتشويه سمعته. وفي ما يتعلق بالتعرض لشيوخ القبائل والنافذين من العسكر بالنقد المباشر، فتلك حكاية أخرى.
عواقب ذلك ممكن أن تكون أكثر خطورة من تناول رأس الدولة نفسه. وقبل ثلاث سنوات ما كان أحد ليتجرأ على تناول أسماء بعض القادة العسكريين. بعد ثورة شباط/ فبراير 2011 الشبابية في اليمن تغير المشهد كثيراً، إلا أن ذلك لم يمنع استمرار دفع الصحافيين ثمن جرأتهم.
قبل الثورة وبعدها..
يعرف اليمنيون جيداً قبل اندلاع الثورة قضية صحيفة “الأيام”، وهي أقوى الصحف الأهلية في اليمن، التي أغلقت وتعرضت لشتى أنواع التنكيل، ومنها سجن ناشرها (هشام باشراحيل) لأنها نشرت أخبار الحراك الجنوبي، حين كان علي عبد الله صالح لا يزال في السلطة. وفي تلك الحقبة أيضاً، تعرض الكثير من الكتاب والصحافيين للسجن والخطف والتعذيب والمحاكمة كعبد الكريم الخيواني ومحمد المقالح. وعلى الرغم من كل المضايقات، لم يطل القتل أحداً في حينه.
أثناء الثورة وبعدها، بدأت رصاصات القناصين تفعل فعلها. قُتل جمال الشرعبي في ساحة التغيير بصنعاء يوم مجزرة “الكرامة”. وفي شباط/ فبراير 2013، أي بعد سنتين من اندلاع الثورة، هاجم مسلحون ملثمون منزل الصحافي وجدي الشعبي في منزله في عدن وأردوه قتيلاً. كما اقتيد آخرون الى المحاكم كالصحافي علي الفقيه ومحمد العبسي (زميلنا في ملحق “السفير العربي”) وذلك لإغضابهما أطرافا سياسية نافذة. وبحسب آخر تقرير لمؤسسة “حرية” لحريات الصحافة، فإن الحريات الإعلامية في اليمن تعرضت لأكثر من 282 حالة انتهاك في العام 2013 وحده، منها حالة قتل و12 حالة شروع في القتل و13 حالة اختطاف وإخفاء.
الصحافيات والثمن المضاعف
لائحة المضايقات تطول وتتنوع أيضاً. فعلى سبيل المثال، تعرضت إعلامية يمنية مؤخراً الى حملة تشهير شنيعة من قبل بعض السياسيين الذين استخدموا صورة لها برفقة رجل دين يضع يده على كتفها. وعلى الرغم من “عادية” الصورة، إلا انها كانت وسيله لتشويه صورة الإعلامية اجتماعياً. وتشكل هذه الحادثة دليلاً اضافياً على المتاعب المضاعفة التي تعاني منها الصحافيات في اليمن المحافظ.
الإعلام في اليمن، ما له وما عليه
ومن واجب القول أيضاً أن الصحافيين ليسوا منزهين تماماً في بلد كاليمن. فعدد كبير منهم لا يلتزمون بالمهنية، ويخالفون مبادئ وأخلاقيات الصحافة باستمرار. ويتيح ذلك فرصة اقتناص أي خطأ سواء كان بسيطاً أم فادحاً لتجريد الصحافي من مصداقيته، من دون التعرض في الوقت نفسه لمن يتماهى معهم سياسياً. فكثيراً ما تتجاوز علاقة الصحافي بالسياسي كمصدر للمعلومات فقط، لتصبح علاقة ارتهان يخدم فيها الصحافي كموظف لدى هذا السياسي أو ذاك. الإعلام اليمني يلعب دور الشريك الأساسي في تعزيز الصراع بين القوى السياسية، مضخماً في بعض الأحيان الخلافات بينها أكثر مما هي عليه في الحقيقة. اليوم مثلاً، لا يمكن أن تجد أي تقرير أو مقال يهاجم أو ينتقد الرئيس السابق علي عبد صالح أو نجله وأنصاره في صحيفة وقناة “اليمن” التابعتين له.
فيما تمتنع صحيفة “أخبار اليوم” أو قناة “سهيل” عن نشر أي خبر مسيء عن اللواء علي محسن الأحمر، أو قيادات الإخوان مثلاً. ويصح الأمر نفسه على قناة “المسيرة” والصحف الصادرة بتمويل حوثي، إذ تتغاضى عن كل تجاوزاتهم، من دون توجيه أي نقد لهم. بذلك تصبح وظيفة الصحف والقنوات الخدمة كمنبر ومتحدث باسم الجهات السياسية الداعمة والممولة لها، وتقاذف الاتهامات. أما القضاء، فقد اتخذ صف السلطة، وهي الطرف الأضعف بين القوى السياسية الفاعلة على الأرض.
الوكالات الأجنبية
لا ينجو مراسلو الوكالات الأجنبية من أسلوب المضايقات نفسه الذي يتعرض له الصحافيون اليمنيون المحليون. فمراسل قناة “بي بي سي” العربية عبد الله غراب تعرض لهجوم مكثف من قبل جماعة الحوثيين. والسبب أن تغطيته لحروبهم الأخيرة لم ترق لهم.
وقبل ذلك شن جهاز الإعلام الرسمي هجوماً شنيعاً على الصحافي خالد الحمادي لنشره مادة في “القدس العربي” تتحدث عن تعيينات عسكرية كبيرة لمقربين من الرئيس هادي ومن مسقط رأسه. إختار الإعلام الرسمي والعسكري إذاً تجاهل كل ما يجري في اليمن، ليصب هجومه على صحافي أعزل بسبب تغطيته…