تعدّدت أجنحة حزب المؤتمر وتعدد المستفيدون منه بعد صالح، فمن يا ترى نال النصيب الأكبر من حزب المؤتمر الشعبي العام.
تزامنت مع مشاورات ستوكهولم التي جرت قبل اسبوعين بين الحكومة الشرعية والحوثيين، حملة إعلامية وشعبية واسعة نفذها نخبة وأعضاء من حزب المؤتمر الشعبي العام اليمني، دعت لرفع العقوبات الدولية عن أحمد، النجل الأكبر للرئيس الراحل علي عبدالله صالح، والتي تمثّلت بتجميد أرصدته وحظره من السفر للخارج وفقاً للقرار الأممي 2216 الصادر في 14 نيسان/أبريل 2015 لكن الحملة باءت بالفشل، إذ إن القرار الأخير 2451 لمجلس الأمن الذي أعقب مشاورات السويد، لم يأتِ بجديد بخصوص رفع العقوبات عن أحمد، ولا رفع الحظر عن أرصدة والده التي قدّرتها تقارير سابقة للجنة الخبراء في الأمم المتحدة ما بين 32 -60 مليار دولار وهو ما يعني أن أحمد سيظل رهن الإقامة الجبرية “المفترضة” في دولة الإمارات التي كان سفيراً لديها، فيما خالد علي عبدالله صالح، سيواصل إدارة ثروة أسرة صالح الخارجية التي لم يطالها الحظر، بحسب ما كشفته نفس تقارير لجنة الخبراء، أما الأموال والأصول في الداخل فقد وضعت جماعة الحوثي يدها على أغلبها بعد مقتل صالح.
هذا على المستوى المالي، أمّا على المستوى السياسي، فقد تعدّدت أجنحة حزب المؤتمر وتعدد المستفيدون منه بعد صالح، فمن يا ترى نال النصيب الأكبر من حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي أسّسه صالح، في 24 آب/أغسطس من عام 1982، وظلّ يبنيه طوبة طوبة حتّى عام 2011، ليبدأ انهيار التركة السياسية الضخمة لصالح (الحزب الحاكم( حجراً حجراً مع أوّل صرخة صدحت برحيل النظام في 11 شباط/فبراير 2011 إثر الاحتجاجات الشعبية، حيث بدأت الانشقاقات تتوالى وتصطفّ مع ثورة الشباب.
لكنّ الحجر الأكبر انهار بمقتل صالح، ليصبح المؤتمر بعد ذلك اليوم، فعليّاً، برأسين. ممثلاً بصادق أمين أبوراس، بعد انتخابه رئيساً للحزب في صنعاء، والرئيس عبدربه منصور هادي، في عدن، فيما الجناح الثالث للمؤتمر ليس رسمياً، ويتزعمه أحمد نجل صالح، وهذا ما شكل خسارة كبيرة على اليمن، حيث يعتبر المؤتمر حزب وسطي ومنفتح على الآخر وقابل للتسويات السياسية، إضافة إلى كونه محبوباً لدى الجماهير إن صح الوصف، لكنه بعد مقتل صالح في 4 كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي على يدّ الحوثيّين، تلقّى الحزب ضربة قاصمة، وشهد اليمن أكبر وليمة سياسيّة في تاريخه، انقضّت عليها الأحزاب والجماعات الدينيّة.
رأى وزير الخارجيّة الأسبق الأمين العام المساعد للمؤتمر أبو بكر القربي أنّ “الوريث للمؤتمر هو قواعده وأنصاره والشعب اليمنيّ”، مشيراً إلى أنّ “المؤتمر يمتلك أكبر قاعدة شعبيّة تقرب من 4 ملايين عضو”، وقال لـ”المونيتور”: “إنّ الكتلة الرئيسة للمؤتمر هي في داخل اليمن. ورغم ضغوط أنصار الله (الحوثيّون) ورفضهم السماح بحريّة الحراك السياسيّ للمؤتمر، إلاّ أنّ هذه الكتلة الشعبية متماسكة وصامدة”.
وأشار إلى أنّ “هناك قيادات مؤتمريّة موزّعة بين عدد من الدول العربيّة”، معتبراً أنّها “ليست أجنحة، بل هي جزء لا يتجزّأ من الكل، لكنّ ظروفها فرضت عليها التعامل مع الدول التي تعيش فيها”، كاشفاً لـ”المونيتور” أنّ “هناك دولاً تعمل على استقطاب قيادات مؤتمريّة في إطار الخلافات الإقليميّة وتصفية الحسابات السياسية، وأنّ قلّة قليلة من القيادات في الخارج ستخضع لهذه الضغوط”، مؤكّداً أنّ “المؤتمر سيعود أقوى ممّا كان، خصوصاً بعد أن فشلت أحزاب المعارضة في تقديم نموذج ناجح في السلطة”.
بدورها، قالت رئيسة دائرة المرأة للتأهيل وتنمية المهارات في المؤتمر حنان حسين: “لا توريث في المؤتمر، وانتخاب أبو راس، بعد رحيل صالح، جاء وفق عمل مؤسسيّ بحت”.
وأوضحت في حديث لـ”المونيتور” أنّ “الجناح الثالث للمؤتمر، هو الذي ظل مع صالح حتى اغتياله، وبعد ذلك خرج إلى خارج اليمن، رافضاً الشراكة مع الحوثيّين، والالتحاق بالرئيس هادي في نفس الوقت، لكنّه لم يستمرّ أمام الإغراءات المالية التي قدّمها له جناح هادي والسعوديّة”.
وأضافت حسين أن “آل الصالح، ممثلين بأحمد نجل صالح، وابن شقيقه طارق، يحظون بأكبر قاعدة شعبية في المؤتمر”، لافتةً إلى أن “هناك قوى (لم تسمها)، تسعى إلى التخلّص من آل الصالح وابعادهم عن قيادة المؤتمر، كونهم يحظون بشعبية كبيرة”.
ثلاث ملامح إذن، هي ما يبدو عليها حزب المؤتمر اليوم، جناح صنعاء ممثّلاً بصادق أمين أبو راس، الذي تمّ انتخابه خلفاً لصالح بعد مقتله، وهو يخضع لسلطة الحوثيّين، وله ارتباطات اقليميّة غير مباشرة ممثلة بسلطنة عمان، وجناح الرئيس هادي المدعوم من السعوديّة والخاضع لها، فيما الجناح الثالث بلا ملامح واضحة، مشتّت بين القاهرة والإمارات العربيّة المتّحدة، يميل أغلبه بدرجة رئيسيّة إلى أحمد نجل صالح، مع أنّ الأخير تمّ تصعيده أخيراً من قِبل مؤتمر صنعاء، عضواً للّجنة الدائمة الرئيسيّة ، من دون أن يتّخذ موقفاً واضحاً حيال هذا التعيين، وهو ما كشفته مصادر سياسيّة خاصّة لـ”المونيتور”، بشرط عدم الكشف عن هويتها، عن “إبرام صفقة سياسيّة، بوساطة عمانية، بين أحمد والحوثيّين قضت بالإفراج عن أخويه مدين وصلاح، مقابل اعترافه بمؤتمر صنعاء”.
من جهته، قال عضو اللجنة الدائمة في حزب المؤتمر محمّد أنعم في حديث لـ”المونيتور”: “إنّ المؤتمر لا يمكن أن يورّث ولا يمكن تقاسمه، حتّى بعد تعرّضه لتلك المؤامرة الإرهابيّة التي نفّذها الحوثيّون في كانون الأوّل/ديسمبر من عام 2017 والمتمثّلة بقتل صالح والأمين العام للحزب عارف الزوكا واعتقال الآلاف من قياداته وأعضائه”.
ورأى محمّد أنعم أنّ “المؤتمر موحّد ولا توجد له أجنحة”، مؤكّداً أنّه “تنظيم يمنيّ، ولن يتّبع” التنظيمات السياسية التي لها ارتباطات خارجية.
بدوره، لفت وزير الدولة في الحكومة الشرعيّة الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطي “حشد” صلاح الصيادي لـ”المونيتور” إلى أنّ “المؤتمر ليس ملكاً لأحد”، مشيراً إلى أنّ الأجنحة التي تشكّلت بعد رحيل صالح، تخدم الأطراف التي دعمت تشكيلها ولا تخدم الحزب “.
وأضاف أن “الرئيس هادي أحد الخيارات المطروحة لقيادة المؤتمر بكل أجنحته”، لافتاً إلى أن “المهم هو نجاة المؤتمر”.
أمّا المدير التنفيذيّ لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجيّة ماجد المذحجي فقال: “لا يمكن الحديث عن وريث واضح للمؤتمر، حتّى تجربة طارق، نجل شقيق صالح، الذي يقود ألوية حرّاس الجمهوريّة في الحديدة، مع أنّها خلقت اصطفافاً ميدانيّاً، جعلته يتجاوز حتّى أحمد نجل صالح، إلاّ أنّ مشكلته أنّه لا يحمل بعداً سياسيّاً حتّى الآن. ولذلك، لم يستطع أن يحتلّ الموقع الرمزيّ الأوّل للمؤتمر”.
أضاف في حديث لـ”المونيتور”: “هناك 3 أجنحة للحزب، جناح الشرعيّة الموالي للسعوديّة، جناح أحمد الموالي للإمارات، وجناح صنعاء الذي له خطّ إقليميّ أيضاً يتمثّل بشكل أساسيّ في سلطنة عمان وحتّى قطر”.
وأشار إلى أنّ “مقتل صالح ضرب الحزب بشكل كبير، وشكّل ضربة قاصمة للمؤتمر، لكنّها لم تنهه حتّى الآن، ما سينهيه هي الانقسامات القائمة بين قياداته”، وقال: “إنّ المؤتمر إذا لم يحكم برأس واحد وقيادة موحّدة سينتهي، ولن نشاهد خلال السنوات القليلة المقبلة حزباً اسمه المؤتمر”.
لم يكن مفاجئاً أن يصل المؤتمر إلى هذا الحال من الانقسام، فهو كما وصفه الباحث والخبير البريطانيّ المختصّ بالشأن اليمنيّ براين ويتاكر، في مقال له نُشر عام 1992 في صحيفة الجارديان، بأنه “ليس حزباً سياسياً بالمعنى الطبيعي تماماً”، لافتاً إلى أنه “صُمّم كمظلة لدمج كل القوى السياسية المختلفة في شمال اليمن”. حيث التقت في إطار مصالحة وطنيّة على ميثاق المؤتمر الوطنيّ عام 1980. ولقد كان من المتوقّع أن يتحلّل المؤتمر إلى مكوّنات سياسيّة، بعيد إعلان الوحدة اليمنيّة خلال عام ١٩٩٠ وإشهار التعدديّة السياسيّة، لكنّ ذلك لم يحدث، لأنّ المؤتمر بتركيبته السياسيّة تلك، كان في جوهره إطار علاقة نفعيّة تقوم على رعاية مصالح النخب الاجتماعيّة.
لقد كان صالح محور انسجام وتماسك المؤتمر بمكوّناته المتباينة. وبانتقال السلطة إلى خلفه هادي، خسر صالح ركيزة مهمّة، وشهد المؤتمر أوّل انشقاق فعليّ في بنيته. وبمقتل صالح، خسر المؤتمر محوره الجامع، فتعدّدت الرؤوس، حيث لا يوجد اليوم محور جامع للحزب، وهذا ما يعني أن المؤتمر بمقتل صالح، مرّ في مرحلة ولادة جديدة، أقلّ ما توصف بأنّها أنجبت مولوداً هجيناً متعدّد الانتماءات والملامح.