نشرت صحيفة “إندبندنت” تقريرا لمراسلتها بيل ترو، تحت عنوان “في داخل شرق اليمن: حرب الخليج الجديدة بالوكالة التي لا أحد يتحدث عنها”، تتحدث فيه عن الصراع بين دول الخليج للسيطرة على محافظة المهرة في شرق اليمن.
ويشير التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن محافظة مهرة التي ظلت بعيدة عن الحرب الأهلية في البلاد صارت مجالا للتنافس بين دول الخليج.
والتقت ترو في البداية مع سالم بلحاف، وهو أحد عناصر القبائل المسلحة التي اشتبكت في السنوات الأخيرة مع القوات السعودية، وجرح في معركة على نقطة تفتيش، حيث تحدث للصحافية وهو يمضغ القات، قائلا إن السعوديين وقواتهم كانوا يخططون لشيء عندما أطلقوا النار على نقطة تفتيش مؤقتة.
وتعلق الصحيفة قائلة إن المهرة التي طالما احتفظت بنوع من الاستقلالية الثقافية واللغوية باتت في مركز حرب وكالة، ولا أحد يهتم بتغطية ما يدور فيها، مشيرة إلى أن الرجال والنساء ينظمون تظاهرات احتجاجية منتظمة ضد ما يرونه “احتلال” الرياض لمحافظتهم.
ويلفت التقرير إلى أن المهرة تتمتع بوديانها الحالمة وطبيعتها التي تشبه سطح القمر، مشيرا إلى أنها ظلت بعيدة عن حرب الخمسة أعوام التي اندلعت بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتدخل السعودية والدولة المتحالفة معها لإخراجهم منها.
وتقول الكاتبة: “لوحظ في الفترة القريبة ظهور جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة فيها، وظلت المهرة حتى عام 1967 سلطنة عمرها 450 عاما، كانت تضم الجزيرة المحمية من اليونسكو، سقطرى وأرخبيل الجزر المحيط بها، وظلت بشكل عام شبه مستقلة، وبعد حكم بريطاني قصير لم ترغب المهرة بالانضمام إلى جنوب اليمن، الذي اتحد مع الشمال عام 1990، وتتحدث القبائل المهرية لغتها الخاصة، ولديها نزعة قوية للاستقلال، فابتعدت في هذه الحالة عن الحرب التي اندلعت عام 2015”.
وتستدرك الصحيفة بأن المحافظة وجدت نفسها منذ عام 2017 في وسط حرب الوكالة الجديدة المستعرة بين دول الخليج، مشيرة إلى قول الباحثين اليمنيين، إن السعوديين بدأوا في نقل 1500 من قواتهم إلى المنطقة وتدريب القوات المحلية لمواجهة تهريب الأسلحة المنتشر عبر حدود عمان.
وينوه التقرير إلى أنه تم استبدال محافظ المهرة محمد بن كده قبل وصول السعوديين، وعين بدلا منه راجح باكريت، الذي اختاره السعوديون، ولم يعش المحافظ الجديد إلا فترة قصيرة في المهرة، ووصل إليها على متن طائرة سعودية.
وتقول ترو إنه رغم وعدها بعدم السيطرة على مطار المحافظة المدني، فإن الرياض قامت بإغلاقه، وحولته إلى مقر عسكري، وبدأ السعوديون في بناء خمس قواعد عسكرية بعضها تحت الإنشاء، بالإضافة إلى عشرين نقطة عسكرية، بحسب بعض السكان المحليين الذين عبروا عن غضبهم، واتهموا السعوديين بالاستيلاء على أراضيهم.
وتفيد الصحيفة بأن السعوديين دافعوا عن تحركاتهم قائلين إن أسلحة ثقيلة تم نقلها عبر البحر أو الحدود مع عمان، ونقلت إلى المتمردين الحوثيين الذين يوجهون صواريخهم وطائراتهم المسيرة ضد السعودية، ووصلت حتى العاصمة الرياض، لافتة إلى أن الوجود السعودي في المهرة لم يغضب سكانها فقط، بل إنه أدى أيضا إلى صدع في العلاقة مع الجارة عمان، بحسب ما يقوله خبراء ودبلوماسيون أجانب.
ويبين التقرير أن مسقط ترى في سيطرة السعودية على جارتها المهرة تهديدا، خاصة أن هناك امتداد للقبائل العمانية والمهرية عبر الحدود، فيما حذر الخبراء من أن عمان، التي وصفت مرة بسويسرا العالم العربي؛ لحياديها في نزاعات المنطقة، بدأت في نقل الدعم للجماعات المرتبطة بها، وعبر دبلوماسيون بريطانيون في مقابلة مع الصحيفة عن قلقهم من دخول مسقط في حرب الوكالة المعقدة.
وتعلق الكاتبة قائلة إن التوتر حول المهرة لم يحظ باهتمام دولي، إلا أنه قد يترك تداعيات واسعة ومدمرة على المنطقة في حال واصل الأطراف محاولات السيطرة على المنطقة.
وتنقل الصحيفة عن فارع المسلمي من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، قوله “كانت المهرة معزولة، وآخر منطقة مستقرة في اليمن، إلا أن حربا إقليمية تتخمر، والمهرة هي الجبهة الجديدة لحرب الوكالة”.
وتشير الصحيفة إلى أنه تم اعتقال باحث المعهد، الصحافي المحلي يحيى صواري في الثالث من تموز/ يوليو، عندما كان يحاول مقابلة متظاهر معاد للسعودية، لافتة إلى أن المركز وعائلته لا يعرفان أين ذهبت به الجماعة الموالية للسعودية، فيما طالبت لجنة حماية الصحافيين بالإفراج عنه.
ويلفت التقرير إلى أنه بعد خمسين يوما على اعتقاله ظهرت رسالة على صفحته في “فيسبوك”، استطاع إرسالها، وقال فيها إنه تعرض للتعذيب ليعترف أنه عمل لصالح قطر وعمان، فيما لا يزال شقيقه في عداد المفقودين، مشيرا إلى أن صواري كان يبحث في الأسباب التي جعلت عمان تجر إلى النزاع على المهرة.
وبحسب المسلمي وحوارات أجرتها الصحافية مع قبائل المهرة، فإن عمان تقوم بإرسال الدعم المالي للقوى داخل المهرة لمنع سيطرة السعودية الكاملة عليها، فيما تتهم عمان بأنها وراء التظاهرات المعادية للسعودية، وقال المسلمي إن “عمان هي آخر جار محايد لليمن، فلم تشارك في الحرب حتى الآن”.
وتذكر الصحيفة أن المسؤولين العمانيين رفضوا الحديث مع الصحيفة والتعليق، مشيرة إلى أن الكثير منهم يرون أن القيادة العمانية بحاجة للتعبير عن موقف قوي ضد التغلغل السعودي في المهرة.
ويورد التقرير نقلا عن الاستراتيجي العماني عبد الله الجيلاني، قوله إن المهرة هي “حديقة عمان الخلفية.. قمنا ببناء الكثير من البنى التحتية هناك، ولنا علاقة سياسية قوية، والمهرة هي منطقة عازلة ظلت منطقة هادئة حتى جلبت السعودية والإمارات قواتهما”.
وتفيد ترو بأن المهرة وضعت السعودية والإمارات في موقف التضاد، فحاولت أبو ظبي وفشلت في بناء قوة محلية في الفترة ما بين 2015- 2017 بذريعة مواجهة تنظيم القاعدة، كما فعلت في محافظات الجنوب بما فيها عدن، وفي أثناء ذلك أقامت الإمارات عددا من القواعد العسكرية على الساحل الجنوبي والمناطق الأخرى.
وتنقل الصحيفة عن المحاضرة في جامعة أوكسفورد إليزابيث كيندال والخبيرة في شؤون المهرة، قولها إن الوجود العسكري السعودي “سيوقف جهود الإمارات من السيطرة الكاملة على الجنوب.. لو كانت لديهم قواعد عسكرية فهذا يعني أن الإمارات لن تحظى بجنوب منفصل ولا السيطرة على المهرة أو سقطرى”.
وأضافت كيندال أن الحملة السعودية لوقف عمليات تهريب السلاح لم توقفها بشكل كامل، و”بالتأكيد جاء السعوديون لوقف التهريب، لكنهم لن يغادروا على ما يبدو، وفي الوقت الذي عالجوا فيه مشكلة الشحنات الكبرى، إلا أن الشحنات الصغرى مستمرة”.
ويجد التقرير أن احتمال نهاية الحرب التي خاضتها السعودية والإمارات ضد الحوثيين، ومضت عليها خمسة أعوام، بعيد، وهي الحملة بدأت لإعادة حكومة عبد ربه منصور هادي، الذي أجبر على الخروج من صنعاء إلى عدن، مشيرا إلى أنه في أثناء الحرب قامت الإمارات بتدريب 90 ألفا من المقاتلين المحليين لمواجهة الحوثيين وتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، اللذين استفادا من الفراغ الامني.
وتقول الكاتبة إنه من رماد الحرب خرجت عدة حروب صغيرة، بما في ذلك الحرب في الجنوب، التي اندلعت بسبب تقوية دول الخليج للجماعات المطالبة باستقلاله، التي سيطرت على مدينة عدن هذا الشهر، ولهذا لم يتم الاهتمام بالمهرة، التي تبعد 850 ميلا عن الجبهات المتعددة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المعلمة نادرة محمد (30 عاما)، التي قادت حركة المعارضة للوجود السعودي في الغيدة، عاصمة المهرة، قولها: “ما يثير القلق أكثر هو أن الاحتلال السعودي سيسيطر على أرض أكثر وسيتحول إلى العنف”.
وينوه التقرير إلى ان النساء يواجهن تدفق الجماعات السلفية التي تهرب من الحرب الدائرة في أجزاء مختلفة من البلاد، التي بدأت في الظهور بعدما أقام السعوديون قاعدتهم في المطار، وتعتقد النساء أن السعودية شجعت السلفيين على الانتقال إلى محافظة المهرة، التي تعارض التفسيرات المتطرفة للإسلام، وترى في السلفية تهديدا على طريقة حياة السكان.
وتنقل ترو عن نادرة، قولها إن تظاهرات الرجال تم قمعها بالقوة، وزعمت أن ثلاثة اعتقلوا واختفوا، وقالت: “هذا هو الخوف الأكبر، فلو استمر الوضع فستحدث حرب هنا”.
وتذكر الصحيفة أن شخصين قتلا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أثناء تظاهرات للقبائل المحلية هاجمتها القوى المدعومة من السعودية، مشيرة إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية بدأ في استخدام طائرات الأباتشي لمواجهة المتظاهرين، في الوقت الذي تنفي فيه السعودية استخدام العنف، قائلة إن التظاهرات تدفع بها جماعات قبلية ساخطة بعدما خسرت تجارة التهريب.
ويشير التقرير إلى أن نادرة والنساء معها ينفين دور مسقط في التحريض على التظاهرات، وقال شقيقها حازم الكدة (28 عاما) إن السعوديين احتجزوه في المطار لفترة قصيرة، وسألوه عن دور شقيقته في التظاهرات، وطلب منه التوقيع على وثيقة يعد فيها بعدم المشاركة في التظاهرات، وقال: “طلبوا مني إخبار شقيقتي بعدم المشاركة في الاعتصامات، وأطلقوا سراحي بعد عشر ساعات، وتدخل شيوخ القبائل”، وأضاف: “المطار بات مثل القرية مليء بالسيارات المصفحة والأسلحة، وسيحدث نزاع بين القبائل، لو واصلوا اعتقال أبناء القبائل”.
وتقول الكاتبة إنه بعيدا عن القبائل فإن هناك عدم ارتياح بين السكان المحليين الذين عبروا عن مخاوفهم من الوضع والجيش الجديد في الخارج، كما يقول عبدالله (40 عاما)، في إشارة إلى القوات المحلية التي دربتها السعودية، ويضيف: “كنا نعيش بسلام حتى جاءوا وبدأوا في اعتقال الناس من بيوتهم، واتهموهم على ما يبدو بأنهم محرضون ومتطرفون”.
وتفيد الصحيفة بأن الصيادين الفقراء يشتكون من عدم السماح لهم بالصيد قرب القاعدة العسكرية السعودية الجديدة، وقالوا إن السعودية تلاحقهم بتهم تهريب السلاح، مشيرة إلى قول سعد عبد الله (30 عاما) إن محله تعرض للمداهمة ما زاد التوتر، وأضاف أن موارد محله تراجعت بمقدار ثلاثة أرباع بسبب تضييق مناطق الصيد، “لو كنا مهربين لكانت لدينا أموال طائلة، وليس الجلوس في أنبوب صغير للصيد”.
ويورد التقرير نقلا عن المسؤولين السابقين الذين أجبروا على ترك مناصبهم، إن محاولات السيطرة على المهرة هي جزء من خطط بناء أنبوب نفط سعودي عبر المهرة إلى بحر العرب، وذلك بعد تعرض أنابيب النفط إلى البحر الأحمر والناقلات في خليج عمان للهجمات.
وتنقل ترو عن مدير الشرطة السابق في المهرة أحمد محمد القحطان، قوله: “منذ بداية الأزمة في مضيق هرمز لاحظنا أن السعوديين اشتروا أسلحة جديدة، وزادوا من السيطرة على الحدود، وزادوا أيضا من عمليات تجنيد القوى المحلية”، وأضاف: “يريدون تصدير النفط عبر هذه المناطق إلى بحر العرب، وتجنب مضيق هرمز، واستخدموا ذريعة وقف التهريب والإرهاب”.
وبحسب الصحيفة، فإن القحطان يعيش في مسقط هذه الأيام، وكان صريحا عندما قال: “نرغب باستصدار قرار من الأمم المتحدة لإخراج الإمارات والسعودية من اليمن في غضون شهر، ونفضل إسرائيل على من هناك الآن”، مشيرة إلى أن علي سالم الحريزي، المعروف بين أتباعه بالجنرال، يعمل معه، ويعترف الحريزي بأن عمان قدمت له الدعم.
وتختم “إندبندنت” تقريرها بالإشارة إلى أنه يعتقد أن الهدف الرئيسي للسعوديين في اليمن هو النفط والسيطرة على الأرض، وقال إن رجال قبيلته وجدوا مهندسين بحراسة سعودية وهم يضعون علامات لبناء خط النفط، ويقول إن “السعوديين والإماراتيين زرعوا المليشيات هنا وسيبدأون حربا أهلية وقد بدأت هذه الحرب”.