وحسب الصحيفة، فإن محافظة المهرة المنسية وجدت نفسها منذ أواخر عام 2017 في كثير من الأحيان داخل أحدث حرب بالوكالة في اليمن بين دول الخليج، إذ بدأ السعوديون في نقل ما يصل إلى 1500 جندي إلى المنطقة وتدريب القوات المحلية على معالجة تهريب الأسلحة المتفشي عبر الحدود التي يسهل اختراقها مع عمان، وفقًا لباحثين يمنيين.
“ترى مسقط أن السيطرة السعودية على المهرة تشكل تهديداً خطيراً لها”
وبعد أيام فقط من وصول القوات السعودية، تم استبدال حاكم المهرة محمد بن كده بمحافظ جديد، هو راجح بكريت، الذي اختارته السعودية ووصل إلى المهرة في يناير/كانون الثاني 2018 على متن طائرة سعودية.
واستولت الرياض على مطار المهرة المدني وأغلقته وحولته إلى قاعدة عسكرية، وقام السعوديون بإنشاء خمس قواعد رئيسية أخرى، لا يزال بعضها قيد الإنشاء. وقال سكان محليون للصحيفة إن السعودية أنشأت أيضاً أكثر من 20 موقعاً عسكرياً صغيرا، الأمر الذي أثار قلقًا وغضبًا بين سكان المهرة الذين يتهمون السعوديين بالسيطرة على المحافظة.
وقد دافعت السلطات السعودية مرارًا وتكرارًا عن تصرفاتها، قائلة إنه يتم تهريب أسلحة ثقيلة براً للمتمردين الحوثيين الذين يطلقون صواريخ على الأراضي السعودي، بما في ذلك العاصمة الرياض.
ولم يُغضب الوجود السعودي السكان المحليين فحسب، ولكنه، حسب خبراء ودبلوماسيين أجانب تحدثوا للصحيفة، تسبب في خلاف متزايد مع سلطنة عمان المجاورة، إذ ترى مسقط أن السيطرة السعودية على المهرة تشكل تهديداً خطيراً لها.
ووفقاً للصحيفة، فإن خبراء وسكاناً محليين حذروا أخيراً من بدء عمان، التي أطلق عليها ذات مرة اسم سويسرا الشرق الأوسط لرفضها الانحياز إلى أي صراعات، في دعم بعض أتباعها في المنطقة، كما أعرب دبلوماسيون بريطانيون، في مقابلات مع “إندبندنت”، عن قلقهم إزاء انخراط مسقط في هذه الحرب المعقدة.
وطبقا للصحيفة، فإن هذه التوترات لم تحظ سوى باهتمام دولي ضئيل، على الرغم من أنه يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة بالنسبة للمنطقة إذا ما واصلت الأطراف صراعها من أجل السيطرة على المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية فارع المسلمي القول “كانت المهرة معزولة، وآخر منطقة مستقرة في اليمن، إلا أن حرباً إقليمية تتخمر، والمهرة هي الجبهة الجديدة للحرب بالوكالة”.
“يعتقد الكثيرون في مسقط أن على القيادة العمانية اتخاذ موقف أقوى ضد التجاوزات السعودية في المهرة”
ووفقًا للمسلمي ومحادثات أجرتها “إندبندنت” مع رجال قبائل من المهرة، فإن سلطنة عُمان تقوم الآن بإرسال الأموال إلى قوات داخل المحافظة لمنع السيطرة السعودية التامة عليها، كما تُتهم عمان بتشجيع حركات الاحتجاج المناهضة للسعودية هناك.
ورفض مسؤولون في سلطنة عمان إجراء مقابلات أو التعليق لـ”إندبندنت”، ومع ذلك يعتقد الكثيرون في مسقط أن على القيادة العمانية اتخاذ موقف أقوى ضد التجاوزات السعودية في المهرة.
وتنقل الصحيفة عن الاستراتيجي العماني، الدكتور عبد الله الغيلاني، القول إن المهرة كانت “الفناء الخلفي لسلطنة عمان، وقد طورنا الكثير من البنية التحتية هناك، ولدينا روابط سياسية قوية، وظلت المهرة (منطقة عازلة) ومكانا هادئا حتى وضع السعوديون والإماراتيون قواتهم هناك”.
كما أنه من المحتمل أن تكون المهرة قد أحدثت خلافات سعودية إماراتية، حيث كانت الإمارات قد حاولت وفشلت بين 2015 و2017 في تشكيل وتدريب “قوة نخبة” في المهرة، تحت مزاعم محاربة الجماعات المتطرفة مثل القاعدة، مثلما عملت في محافظات أخرى بما في ذلك عدن، العاصمة المؤقتة للبلد.
وفي إطار هذه العملية، أقامت دولة الإمارات مجموعة من القواعد على طول الساحل الجنوبي لبقية البلاد.
وتقول الأستاذة بجامعة أوكسفورد إليزابيث كيندا إن البصمة العسكرية السعودية في المهرة من شأنها أن تمنع الإمارات من السيطرة الكاملة على الجنوب، مضيفة “وبما أن السعودية أقامت قواعد عسكرية، فهذا يعني أن الإمارات لن تحظى بجنوب منفصل، ما دام أنها لن تسيطر على المهرة وسقطرى”.
وتعاني اليمن من حرب أهلية مدمرة منذ أن سيطرت جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) المدعومة من إيران على البلاد في أوائل عام 2015، وأطاحت بالرئيس المعترف به دولياً عبد ربه منصور هادي. وبسبب مخاوفها من تجاوز النفوذ الإيراني حدودها، أطلقت السعودية والإمارات تحالفاً عسكرياً مدمراً في مارس/آذار من العام نفسه بذريعة إعادة هادي إلى السلطة.
وبعد قرابة 5 أعوام من الحرب، ما زالت آمال إنهاء الحرب ضيئلة، في الوقت الذي يقع 13 مليون شخص على شفا المجاعة.
وقالت نادرة محمد، وهي معلمة من محافظة المهرة تتزعم حركة احتجاج نسائية ضد وجود القوات السعودية في المهرة: “ما يقلقنا أكثر هو أن الاحتلال السعودي سوف يستولي على مزيد من الأراضي وسيسلك في نهاية المطاف مسلكاً عنيفاً”.
وحسب الصحيفة، فإن المسيرات النسائية تعترض أيضاً على تدفقات السلفيين الفارين من الحرب، والذين ظهروا في المهرة لأول مرة بعدما أنشأ السعوديون قاعدتهم الرئيسية في المطار، وتعتقد المتظاهرات أن السعودية هي التي تشجع السلفيين على الانتقال إلى المهرة، التي رغم محافظتها الدينية، إلا أنها ترفض بشدة التفسيرات المتطرفة للإسلام، وترى السلفية تهديدًا لنمط الحياة في المهرة.
وتنقل الصحيفة عن مدير الشرطة السابق في المهرة أحمد محمد القحطان، قوله إن السعوديين يريدون تصدير النفط عبر المهرة إلى بحر العرب، وتجنب مضيق هرمز، واستخدموا ذريعة وقف التهريب والإرهاب للسيطرة على المحافظة.
وتنقل “إندبندنت”عن سكان محليين قولهم إن السعوديين والإماراتيين زرعوا مليشياتهم في المهرة لإطلاق حرب أهلية وأن تلك الحرب قد بدأت.
وتقول الصحيفة إن المهرة التي لطالما احتفظت بنوع من الاستقلالية الثقافية واللغوية باتت في مركز حرب بالوكالة، ولا أحد يهتم بتغطية ما يدور فيها، لافتة إلى أن هناك مظاهرات مستمرة ينظمها رجال ونساء المهرة احتجاجاً على ما يسمونه “احتلال” الرياض لمحافظتهم.
وإلى عام 1967، ظلت المهرة التي شملت أرخبيل سقطرى والتي تصنفها اليونسكو محمية طبيعية، مستقلة إلى حد كبير، وعقب فترة من الحماية البريطانية في الستينيات، أصبحت بالإكراه جزءاً من جنوب اليمن المنفصل، وذلك قبل توحيدها مع الشمال في عام 1990.
تم نشر هذه المقالة في العربي الجديد.