نقل النفط
أكثر من 90٪ من صادرات النفط السعودي تمر عبر مضيق هرمز، مما يجعل السعودية أكبر مصدر للنفط عبر هذا المضيق. وتسعى السعودية لتجاوز مضيق هرمز عن طريق فتح خط أنابيب “بترولين” أو خط أنابيب شرق-غرب بقدرة 5 ملايين برميل من النفط.
وفي الآونة الأخيرة، ادعى وزير الطاقة السعودي السابق خالد الفلاح: “من أجل استبدال مضيق هرمز، تسعى السعودية لزيادة قدرة خط أنابيب الشرق-الغرب من 5 مليون إلى 7 ملايين برميل يوميًا في غضون عامين”.
ولكن أعلنت شرکة أرامكو في بيان متناقض: “إن تاريخ الانتهاء من خط الأنابيب هذا هو أربع سنوات أخرى، وتبلغ طاقته المخطط لها أقل من نصف مليون برميل”.
لذلك، لنقل الطاقة إلى الصين والهند كأفضل الزبائن، تحتاج السعودية إلى نقل النفط عبر مضيق هرمز وطرق أخرى غير البحر الأحمر. وفي هذا السياق، تعد محافظة المهرة اليمنية أحد الخيارات الإستراتيجية للسعودية.
وفي هذا الصدد، قال “علي سالم الحريزي” وكيل محافظة المهرة اليمنية السابق لقناة الجزيرة: “أبلغني علي عبد الله صالح – أثناء فترة رئاسته – أن محادثاته مع الرياض بشأن بناء خط أنابيب النفط السعودي قبالة حدود هذا البلد مع سواحل المهرة قد فشلت؛ لأن السعوديين طالبوا بسيادة السعودية على عمق كيلومترين من الشرق إلى الغرب بطول 300 كم.”
وتبلغ أهمية هذه القضية بالنسبة للرياض لدرجة أنها شكلت أحد الدوافع الرئيسية لشن الحرب علی اليمن. وفي هذا السياق، قال “لاري کورب” المساعد السابق لنائب وزير الدفاع الأميرکي حول المخاوف الجيوسياسية السعودية: “لقد اهتمت السعودية دائمًا بمن يحكم اليمن، وهذا بسبب جهودهم لإيجاد طرق بديلة عن مضيق هرمز لصادرات النفط”.
التأثير في الفناء الخلفي لعمان
عملت السعودية بجد في السنوات الأخيرة لإبعاد سلطنة عمان عن السياسة الخارجية المحايدة. والموقع الجيوسياسي العماني أصبح الحلقة المفقودة في السياسة الخارجية السعودية في السنوات الأخيرة. لأن سلطنة عمان يمكن أن تکون سنداً للسعودية في مجلس التعاون، کما تعد أداةً فعالةً بسبب سواحلها في مضيق هرمز الاستراتيجي، وأخيراً فإن الموقع الجيوسياسي العماني له تأثير استراتيجي للسعودية في الحصار والمنافسة مع الإمارات أو قطر. وقد حاولت السعودية إجبار عمان على دعم حربها علی اليمن.
لدى محافظة المهرة معبران حدوديان مع عُمان هما “صرفيت” و”شحن”. ومن أجل الضغط على عمان، سعى السعوديون، كالعادة، إلى التسلل الإيديولوجي إلى محافظة المهرة.
في نوفمبر 2018، بدأت السعودية جهودها لإنشاء مركز سلفي کبير في مدينة “قشن” ثاني أكبر مدينة في محافظة المهرة. واتخذت الرياض هذه الإجراءات تحت غطاء الأنشطة الإنسانية.
ثم أرسلت الرياض فريقًا عسكريًا إلى المعبر الحدودي ومطار “الغيضة”، بحجة منع تهريب الأسلحة عبر الحدود العمانية إلی أنصار الله، وكان الهدف من وراء ذلك هو دراسة الإمکانات اللازمة للسيطرة على المعابر الحدودية في هذه المحافظة.
محافظ المهرة “محمد عبدالله كدة” قاوم هذه الأطماع، مما أدى إلى إقالته وتعيين “راجح سعيد باكريت” وهو شخصية تابعة.
لقد مولت السعودية السلفيين وشجعتهم على شراء الأراضي في هذه المنطقة، كما قامت بتجهيز وتنظيم قبائل “بوقي بن حميد” أيضاً.
هذه الإجراءات لم تخف عن أعين عمان. وفي هذا الصدد، قال “فارع المسلمي” عضو مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية: “ترسل سلطنة عمان دعماً مالياً للقوات في محافظة المهرة اليمنية، لمنع سيطرة السعودية عليها بالكامل. في المقابل، عُمان متهمة بالتورط في المظاهرات ضد السعودية في المحافظة”.
كما أشار المنظر الاستراتيجي العماني “عبد الله الجيلاني” إلى هذه الإجراءات، وقال:”المهرة هي الفناء الخلفي لسلطنة عمان، وقد قمنا ببناء الكثير من البنی التحتية هناك، ولدينا علاقة سياسية قوية معها”.
المنافسة الجيوسياسية مع الإمارات
كانت الإمارات تطمع في جزيرة “سقطری” منذ بداية الحرب في اليمن. هذه الجزيرة تحقق ثلاثة أهداف لدولة الإمارات؛ بالإضافة إلى أنها تنظم مرتزقتها للتسلل إلى ليبيا عبر هذه الجزيرة، وقد احتلت الجزيرة عدة مرات للضغط على الحكومة اليمنية المستقيلة ودعم المجلس الانتقالي الجنوبي. كما أن هذه الجزيرة تقع عند مصب خليج عدن، الأمر الذي يمنح الإمارات ميزةً خاصةً للوصول إلى خليج عدن عبر طريق منفصل.
من ناحية أخرى، اضطرت الحكومة المستقيلة والسعودية مرارًا وتكرارًا على التعامل وتقديم التنازلات لأبوظبي، بسبب تأثير الإمارات على هذه الجزيرة.
محافظة المهرة لديها أطول خط ساحلي في اليمن بمساحة 560 كم، وتعتبر هذه المحافظة أقرب محافظة إلى جزيرة سقطري عبر بحر العرب. لذلك، من أجل خلق توازن جيوسياسي ضد الإمارات وكذلك الضغط عليها لخفض قواتها في الجزيرة، تحظی محافظة المهرة بأهمية إستراتيجية لدی السعودية والحكومة اليمنية المستقيلة.
بدأت السعودية حتی الآن في بناء خمس قواعد عسكرية وأربع نقاط تفتيش عسكرية في المهرة. وفي هذا الصدد، تعتقد “إليزابيث كيندال” المحاضرة في جامعة أكسفورد والخبيرة في شؤون محافظة المهرة: “إن الوجود العسكري للسعودية في هذه المحافظة، سيوقف جهود الإمارات للسيطرة الكاملة على الجنوب، وإذا كانت لديهم قواعد عسكرية، فهذا يعني أن الإمارات لن تكون قادرةً على السيطرة على الجنوب والمهرة وسقطری”.
ولكن على الرغم من هذه الخلافات التي يمكن رؤيتها بوضوح في اندلاع الاشتباكات المسلحة في الجنوب بين الانفصاليين المرتبطين بدولة الإمارات وقوات حكومة منصور هادي المستقيلة، فإن التطورات تسير بحيث تزايدت امکانية إبرام صفقة بين السعودية والإمارات لتقسيم اليمن، وهذا السيناريو يتماشى أكثر مع الحقائق الميدانية، لأن التحالف قد فشل بالکامل في تحقيق الأهداف الأساسية للحرب على مدار السنوات الخمس الماضية، وبالتالي يحاول تأمين مصالحه الخاصة من خلال تفكيك اليمن.
وفقًا لذلك، في سبيل تقسيم اليمن، تحاول السعودية تحويل المهرة وحضرموت، القريبتين من أراضيها، إلى وحدة مستقلة. والوحدات الأخرى أيضاً ستشمل قسمًا في الشمال تحت سيطرة أنصار الله، بالإضافة إلى قسم في الجنوب وخاصةً على طول الساحل بالقرب من الإمارات ومركزه عدن.