في زلة لسان أثناء حديثه مع الملكة إيلزبيث ٫ قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن أفغانستان و نيجيريا دولتين فاسدتين بشكل رائع!
العبارة التي قالها رئيس وزراء دولة عظمى دون علمه بوجود الكاميرات حوله ليس مجرد زلة لسان عابرة لزعيم دوله يقول أشياء مزعجة عن دولة ثانية ، كما نقلت وسائل الأعلام الدولية.
بل هي في الواقع ( خاصة مع لهجة كاميرون الضاحكة لا التجريمية خلال الحديث ) إفصاح كاشف و نادر غير مباشر عن حقيقة مهمة يجهلها الكثيرون ( عمداً أو جهلاً) و هي أن الدول الفاسدة والمتخلفة و الغير شفافة تمثل فرصا “رائعة” لأنظمة و قادة الدول العظمى بمصالحهم المتشعبة و المختلفة ، خاصة تلك الأمنية و العسكرية والتجارية المنبعثة من اضطرابات أماكن مختلفة في العالم ، و توجد غالباً خارج جغرافية العالم الغربي.
طار أوباما قبل أسابيع إلى لندن بعد زيارة قصيرة إلى الخليج. كان الهدف من زيارته ( كما نقلت وكالة رويترز لحظة هبوطه في لندن) هو “إقناع الناخبين البريطانيين بعدم التصويت على الانفصال عن الاتحاد الاوروبي ، كون ذلك سُيضعف الغرب”.
حينما تأتي مسألة الوحدة في الغرب ، لا تُعامل كشأن خاص بدولة لذاتها ، ولا تعتبر حالة فردية يمكن تركها لمزاج الجمهور أو لانتهازية الساسة ، بل يطير زعيم دولة أجنبية إلى دولة أخرى ( كانت تحتل بلاده في السابق ) للتعامل مع الأمر ، و تنصهر معه مصطلحات شديدة الصلابة و الحرفية والانحرافية في العالم الاخر ك “السيادة” و أخواتها ، و يسمح لرئيس دولة أجنبية بالتأثير على المواطن البريطاني ضمن تعريف واقعي و مستقبلي للمصالح و “آلمصير المشترك”.
يبذل القادة الغربيون جهوداً خارقة لتماسك الإتحاد الأوروبي و الغرب بشكل عام ، لكن حينما يتعلق الأمر بالتصدير للخارج فأن أكثر البضائع المصدرة ليست “الوحدة” بل “تقرير المصير”. ولا يُسمح فقط باستنساخ و تصدير هذا النوع من البضائع بل يتم تصدير وإنتاج نسخ دموية و رديئة منه.
بالمقابل – مثلا – يعاقب القانون في الغرب بصرامة من يستنسخ / ينسخ مجرد دي في دي علمي أو كتاب ما أو بحث علمي.
وبالحديث عن الفساد “الرائع” ، كتبت مجلة الفورين بوليسي الامريكية في أواخر العام ٢٠١٠ أن “الفساد في اليمن قد وصل إلى درجة تجعل وجه الرئيس الأفغاني حامد كرزاي يحمر خجلاً!” في تلخيص مكثف لنظام صالح الذي تصدرت وجوهه لاحقاً الثورة و الحوار و الشرعية ، الخ. رحل الأمن القومي حينها الصحافية الامريكية التي كتبت المقال في منتصف الليل ، كما عمل نظام هادي لاحقا مع صحافيين غربيين مختلفين والذي وصل فساده إلى درجة دعوة مجلس الأمن الدولي في ديسمبر ٢٠١٥ للتحقيق في إستغلال مقربين منه للحصار البحري على اليمن خلال العام المنصرم.
لا تمتلك هكذا أنظمة مرايات على اية حال ( بل لا يهمها أصلا) ولذلك تصاب بالفزع من أي مراة تعكس لها وجهها ( الذي يخجل منه حامد كرزاي). و على أي حال ، فإن إنتقاد العالم والاعلام الغربي للفساد في العالم الثالث لا يعني بالضرورة الرغبة في القضاء عليه إذا ما كان “رائعاً”.
بالمناسبة ، بريطانيا ( الدولة التي لا تزال ملكية دستورية) تدعم بحماسة مسودة دستور يمنية إفتراضية كُتبت خارج اليمن هي في الواقع دولة لا تزال بلا دستور مكتوب حتى يومنا هذا!