دبي (رويترز) – كانت القبة البيضاء لضريح صوفي في مدينة تعز اليمنية تشع بريقا لقرون إلى أن فجرها مسلحون متشددون سنة الشهر الماضي لتكون ضحية لحرب أهلية ربما أحدثت شرخا يتعذر إصلاحه في مجتمع كان متسامحا في وقت من الأوقات.
وبعد عام ونصف العام من القتال اشتدت النزاعات التي تحركها القبيلة والدين والطائفة ولم يعد بمقدور اليمن فيما يبدو مقاومة الأحقاد التي تغذي حروبا لا نهاية لها في الأفق في دول أخرى بالشرق الأوسط.
وقال أحمد صالح المطري وهو موظف حكومي في العاصمة صنعاء عمره 40 عاما “قبل الحرب لم يكن هناك اهتمام بالطائفة والعائلة. والآن يدقق الناس في اسمك ليروا من أين أنت.”
وعلى غير المألوف في بلد إسلامي لا توجد اختلافات مذهبية تذكر بين مدارس الفكر السنية والشيعية في اليمن وغالبا ما يتشارك المصلون نفس المساجد. لكن هذا تغير أيضا.
وأضاف المطري “وحتى المساجد لم تكن مثلما هي عليه الآن حيث يدير حزب الإصلاح (السني) والسلفيون بعض المساجد والحوثيون (الشيعة) يديرون أخرى.
“لقد وصلنا إلى وضع خطير بهذه الدرجة.”
وأحالت الحرب معظم مناطق اليمن إلى مناطق قتال تكثر فيها الألغام الأرضية وتجوبها ميليشيات تتحدى معاركها أي حل. وقالت الأمم المتحدة إن نحو نصف سكان اليمن وعددهم 27 مليون نسمة لا يحصلون على الرعاية الصحية ولا يستطيعون سد احتياجاتهم من الطعام في حين أن نحو 80 في المئة يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية.
ومع انهيار محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في مطلع الأسبوع بعد ثلاثة أشهر من بدايتها تسارعت مرة أخرى وتيرة القتال في أنحاء البلاد والغارات الجوية للتحالف.
وجماعة الحوثيين المسلحة التي كانت في وقت من الأوقات حركة إحيائية مبهمة للطائفة الزيدية الشيعية ولها وضع مهيمن في الشمال تسيطر على العاصمة صنعاء إلى جانب عدد من المدن الأخرى وطردت حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية ودول الخليج العربية السنية إلى المنفى العام الماضي.
وحققت القوات الموالية للحكومة وأغلبها من الأغلبية السنية الشافعية في الجنوب والشرق مكاسب العام الماضي لكن لا تزال بعيدة فيما يبدو عن تحقيق النصر على الرغم من الأسلحة والغطاء الجوي من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
وتخشى السعودية أن يمثل الحوثيون موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية للحركات السياسية الشيعية التي تستلهم نهج إيران وقمعت مجموعات سياسية شيعية داخل أراضيها وفي البحرين التي يحكمها السنة وهي حليف رئيسي لها.
* الهاشميون
بعد شعورهم بالإحباط من انقلابات وفساد ومحسوبية على مدار أجيال مما ترك اليمن واحدا من أفقر دول العالم رحب بعض اليمنيين بسيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014 والتي وصفتها الحركة الشيعية بالثورة الشعبية.
وشكلت الجماعة تحالفات مع القبائل الشمالية الفقيرة المسلحة وحولت العاصمة إلى حصن صمد أمام آلاف الغارات الجوية للتحالف الذي تقوده السعودية التي تحوز بعضا من أكثر الأسلحة الغربية تطورا.
وأضفى الحوثيون الصبغة الرسمية على حكمهم يوم السبت بتشكيل مجلس حكم بالتعاون مع حلفاء الرئيس السابق القوي علي عبد الله صالح في تحرك نددت به الأمم المتحدة والحكومة.
لكن الأكثر دهاء من سيطرتهم الصريحة على الدولة هو تعيين الحوثيين لأفراد من الأسر الهاشمية التي يعود نسبها إلى النبي محمد في الجيش والمناصب الإدارية في أنحاء اليمن.
وكانت الأسر الهاشمية التي تشكل نحو عشرة في المئة من سكان اليمن تحتل مواقع إدارية مهمة في الحكم الديني للزيديين الذين حكموا الشمال لألف عام قبل تهميشهم إلى حد بعيد في أعقاب الثورة الجمهورية عام 1962.
وقال فارع المسلمي وهم محلل في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية “المجلس السياسي الجديد يجمع معا القاعدة الحوثية والنخبة القبلية التقليدية الموالية لصالح ويقويهما.
“إنه يوحد مصالح وولاءات معظم الأطراف العسكرية والسياسية القوية في المجتمع الشمالي.”
بيد أن التغيرات المفاجئة في السلطة فتحت الباب للجحيم خاصة في مدينة تعز الجنوبية التي كانت في وقت من الأوقات معقلا للتجارة والعلمانية.
وحول القصف المدفعي المتبادل بين قوات الحوثيين وتحالف فضفاض من ميليشيات معظمها إسلامية سنية موالية للحكومة كثير من مناطق المدينة إلى أنقاض من دون إعطاء أي جانب سيطرة مناسبة وتدور اشتباكات الشوارع في أغلب مناطق المدينة.
ويعتقد أن المسلحين الإسلاميين المتشددين وراء الهجوم على ضريح عبد الهادي السودي وهو عالم يعود إلى القرن الخامس عشر ومن أتباع المدرسة الصوفية.
وقال مسؤول أمني كبير “أشد القوى بأسا من التي تقاتل مع الحكومة في تعز هي القاعدة والمسلحون السلفيون.
“يستهدف الهاشميون بسبب أسمائهم فحسب واغتيل العشرات في تعز وحدها.”
* الحكومة المنفية
على الرغم من المكاسب تعمل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا من السعودية وتجد بالتالي صعوبة في بناء قاعدة لسلطتها ونفوذها داخل البلاد.
ومدينة عدن الساحلية الجنوبية حيث تعهدت الحكومة بترسيخ وجودها لكنها فشلت في ذلك حتى الآن خارج سيطرة الحوثيين لكن لا تزال تعاني من هجمات المتشددين.
وتديرها ميليشيات وضباط من الجيش يسعون إلى انفصال جنوب اليمن الذي كان في وقت من الأوقات دولة اشتراكية مستقلة ويساورهم الشك في الحكومة وأقوى مكوناتها حزب الإصلاح الإسلامي السني.
وتقول مصادر سياسية قريبة من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة في الكويت إن كلا من الحوثيين والحكومة المعترف بها يعتقدان فيما يبدو أن الوقت في صالح كل منهما وأن الطرف الآخر ربما يستنفد طاقته وينهار.
ومن ناحية أخرى يتدهور الاقتصاد لدى الجانبين – فالمتاجر والمصانع معطلة أو مدمرة والكهرباء والوقود فيهما نقص والمؤسسات الحيوية غير مستقرة.
وطالبت الحكومة المعترف بها دوليا الأسبوع الماضي المؤسسات المالية الدولية أن تقطع تمويلها للبنك المركزي في صنعاء زاعمة أن الأموال الحكومية تستخدم لتغذية المجهود الحربي للحوثيين.
ونفت مصادر بالبنك هذه الاتهامات وأشارت إلى أن تحركات الحكومة ربما تكون شكلا من أشكال الحرب الاقتصادية على الحوثيين حيث يذهب معظم الرواتب الحكومية التي يدفعها البنك إلى المناطق التي يديرها الحوثيون.
لكن مع ضمان البنك المركزي واردات الغذاء بينما يقترب اليمن من المجاعة تساءل دبلوماسي غربي كبير عما إذا كانت الحكومة تقدم أهدافها الحربية على احتياجات المواطنين العاديين – وهو ما تنفيه الحكومة.
وقال الدبلوماسي “الحكومة الجيدة هي التي يجب أن تعنى برفاهية الأمة بأكملها… شعبها.”
وأضاف “هناك مخاوف حقيقية من أن الحكومة لا تهتم (بذلك) كثيرا فيما يبدو… فمحاولة إسقاط البنك المركزي في بلد مثل اليمن كالتسبب في نوبة قلبية في جسد يعاني بالفعل من فشل عدة أعضاء