تخضع الصورة الاعلامية الخارجة من اليمن بشكل عام الى تسييس حاجب لمعاناة جامعة يعيشها آلاف المواطنين القاطنين في مناطق النزاع. وقلما تتحوّل المجازر في اليمن الى قضايا رأي عام، كما يحدث في سوريا أحياناً على سبيل المثال. وتحظى مواقع التواصل وكاميرات الناشطين بدور محدود جداً في نقل المعاناة الانسانية.
وفي مقابل اهمال الاعلام العالمي بشكل عام القضية الانسانية اليمنية، تحوّلت الجهات الأممية والمنظمات الاغاثية الدولية وجهة للباحث عن صورة أقرب الى الموضوعية، علماً ان مفوضية الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان أحصت في آذار الماضي حوالي 9 آلاف قتيل مدني من بينهم 3218 شخصاً قتلوا منذ تدخل التحالف في 26 آذار من العام 2015 لدعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعد أن سيطر المتمردون الحوثيون المدعومون من ايران على أجزاء واسعة من البلاد.
وناشدت الأمم المتحدة المجتمع الدولي زيادة الاهتمام بخطة الاستجابة الإنسانية لليمن ودعمها، والتي تطلبت توفير 1.8 مليار دولار للوصول إلى أكثر من 13 مليون شخص هذا العام، إلا أنها لا تزال تعاني من نقص في التمويل حيث لم يتوفر إلا 16 في المائة من إجمالي المبلغ، وفق التقارير الأممية.
كما حذرت الأمم المتحدة من ان 19 محافظة يمنية تواجه خطر انعدام الأمن الغذائي، محذرة من ان الوضع مرشح للتدهور في حال استمرار النزاع.
وفي سياق الأزمة الصحية، أقامت منظمة “#أطباء_بلا_حدود” لقاءً في مقهى “مزيان” في الحمراء حول الأزمة الانسانية اليمنية الكارثية. وعرضتْ خلال اللقاء الذي حضره حشدٌ مهتم غلب عليه العنصران الشاب والغربي، أفلام وثائقية نقلت الصورة الحيّة للوجع اليمني من داخل المناطق المنكوبة التي هجرها أهلها وبات أطفالها يقفون في صفوف طويلة انتظاراً لملء دلو ماء او الحصول على رغيف خبز. رأينا في اللقطات الوثائقية مشاهد لتعز التي حوّلها الحصار مدينة منكوبة، واستمعنا الى شهادات جرحى داخل المستشفيات يعانون من نقص في الرعاية، والى سيّدة مهجرة اضطرت الى ترك منزلها الذي عرفت لاحقت انه دمّر، قالت السيدة بتأثر كبير “خرجنا من بيوتنا بملابسنا فقط حتى الأوراق الثبوتية لم نملك الوقت لجلبها… لقد دمرت حياتنا وأصبح أبناؤنا بلا مستقبل، فقدنا الأمل…”، تبكي المتحدثة بحرقة أمام عدسة الكاميرا. وفي شهادة أخرى، يقرّ أحد الشبان بأن “الحرب باتت صنعة الجميع…عليك ان تقاتل…لا تملك الخيار”.
كما تحدث ناشطون عن تجاربهم الميدانية والتحديات اليومية التي يعايشونها، حيث فرضت الحرب على ملايين اليمنيين الذين لم يختروها، ووجد كثيرون منهم أنفسهم مشردين بلا مأوى.
وفي الندوة التي عقدت على هامش اللقاء، رأى الناشط والباحث اليمني فارع المسلمي ان “هناك اهتماماً عالمياً بما يجري في سوريا وغيرها يفوق بأشواط ما يجري في اليمن، اذ تغيبُ التغطية الاعلامية الموضوعية وتلك التي تسلطُ الضوء على الوجع الانساني بغض النظر عن هوية الضحايا”. واستقرَ الرأي على ان اليمن بلدٌ لم تُروَ حكاياته وكل ما يُروى عنه سطحي، “اذ على سبيل المثال، احدى اكبر المشاكل التي يفوق خطرها “داعش” و”القاعدة” تكمن في مشكلة المياه، فصنعاء اول عاصمة عربية مهددة فعلياً بالجفاف في المدى المنظور”.
من جهتها، تحدثت الناشطة العاملة في “أطباء بلا حدود” في قسم التواصل، ملاك شاهر، لـ”النهار” قائلة ان “أكبر تحدٍ يواجه المنظمة هو تقديم الرعاية الطبية الطارئة، ففي أحيان كثيرة يصلُ مرضى لديهم تعقيدات صحية، مثل الحاجة الى عملية قيصرية، أو ولادة طارئة، نتمكن من تأمين المساعدة الفورية لهم، اما من يحتاجون رعاية مستمرة فلا نتمكن من تغطيتهم، لذلك ندعو الوكالات الصحية العالمية لزيادة مجهودها، فالقطاع الصحي في اليمن مفلس، وهناك مشكلة كبيرة في شراء الأدوية” . ويبلغ عدد عاملي المنظمة في اليمن نحو 2009، وتملك “أطباء بلا حدود” علاقات مع أطراف النزاع جميعها، “نعمل في صعدة وصنعاء وتعز والضالع وغيرها، بمعزل عن هوية المكان وانتماء المرضى”.
وتذكر شاهر ان المنظمة تقدم ثلاثة أنواع من الرعاية الصحية في اليمن،
الأولى من خلال مستشفيات تدارُ بشكل تام من قبل أطباء المنظمة كـ”مستشفى الأمومة والطفل” في تعز، و”الجراحي” في عدن.
الثانية من خلال مستشفيات تعمل فيها طواقم من المنظمة بالتعاون مع وزارة الصحة اليمنية، وتقدم حوافز مالية للطواقم الطبية اليمنية داخلها، بالاضافة الى تقديم خدمات يحتاجها المستشفى.
اما الرعاية الثالثة فتكمن في دعم المستشفيات البعيدة “التي يأتينا منها معظم المرضى، حيث نوفر لهم الوقود ووسائل النقل، وتقدم مساعدات على صعيد المساعدة الصحية الأولية”.
وتبلغ ميزانية المنظمة في اليمن 17 مليون دولار سنوياً، وتقول شاهر ان في حصاد العمل تمكنت المنظمة من انقاذ 41 ألف جريح منذ عام 2015 حتى الآن، وادخال 2400 طن مساعدات، بالاضافة الى اتمام 10 الاف ولادة طبيعية.
وتبقى الحاجة أكبر للمساعدة في بلد يبلغ عدد سكانه 26 مليون شخص، يعيش معظمهم تحت خط الفقر.
وتتوقف الناشطة عند موضوع نقل الصورة الاعلامية الانسانية من اليمن، لتتحدث عن المعاناة مع الأطراف المتنازعة، اذ كل موقف متضامن مع الضحايا الذين يقعون في منطقة سيطرة طرف معيّن يسبب حساسية لدى الطرف الآخر، “لكنها لا تؤثر على قرار التعاون معنا من الأطراف كافة”، وفق شاهر التي تأمل ان يتم الاستماع أكثر الى أصوات الضحايا وان تنشر قصصهم والا يتحوّلوا الى مجرد أرقام في حرب قلما ينتبه العالم لها.