في الوقت الذي تلاحق الهزائم تنظيم “الدولة الإسلامية (داعش) في كل من سوريا والعراق، توقعت صحيفة Wall Street Journal الأميركية، في مقال لأحد كتابها أن يطفئ نجمه بسرعة كما سطع بسرعة، لكن من سيملأ هذا الفراغ الذي سيتركه التنظيم بعد أن بلغت الأراضي التي يسيطر عليها مساحة المملكة المتحدة.
يرى الكاتب الإيطالي ياروسلاف تروفيموف، أن الفرصة ستكون سانحة ل”المنافس الأيدولوجي” لداعش للبروز من جديد، وهو ما يقصد به تنظم القاعدة التي خرج من عبائتها تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وهذا نص المقال كاملاً:
في الرابع من يوليو/تموز عام 2014، صعد رجل دين يرتدي ملابس سوداء يدعى أبوبكر البغدادي إلى منبر الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية، معلناً تأسيس خلافة جديدة. كان لهذه “الدولة الإسلامية” المزعومة تطلعات عالمية، خاصة أنها كانت تسيطر بالفعل على شرق سوريا وغرب العراق. تعهد الخليفة الذي نصب نفسه بنفسه بإعادة “الكرامة، والعزة والحقوق والقيادة” لرفاقه من المسلمين السنة في كل مكان.
جاءت هذه الخطبة الجريئة من ثاني أكبر المدن العراقية متوجةً بأسابيع من الحرب الجهادية الخاطفة التي شهدتها مناطق العرب السنة في العراق. كما ظهر بعد ذلك، محاولة تنظيم الدولة الإسلامية لغزو العالم.
الآن يبدو أنه من المرجح أن ينهار تنظيم الدولة الإسلامية بالسرعة التي ارتفع بها. فعلى مدار العامين الماضيين حارب التنظيم مع الجميع، من القاعدة إلى إيران الثيوقراطية الشيعية والولايات المتحدة وروسيا. كما تصاعد معدل شن التنظيم لهجمات في الغرب وفي أماكن أخرى، أو ادعى مسؤوليته عنها، حتى في الوقت الذي مُني فيه بهزائم متتالية، وتخلى عن مدينة تلو الأخرى.
من السهل الاعتقاد بأن الدولة الإسلامية لا تزال ملتزمة بمسيرتها. لكنها ليست كذلك. على مرّ العام السابق، تقلّصت الأراضي التي تتحكم بها – والتي قاربت يوماً ما حجم المملكة المتحدة – على نحوٍ متسارع في كل من العراق وسوريا. فقدت الدولة الإسلامية مدينتي الرمادي والفلوجة في العراق، ومدينة تدمر السورية التاريخية والريف السوري الشمالي على الحدود مع تركيا. وأُطيح بميليشياتها في ليبيا في الأسابيع الماضية من مقر قيادتها بمدينة سرت. وفي الشهور القادمة، سيواجه التنظيم معركة من المحتمل ألا ينتصر بها من أجل المركزين الهامين المتبقيين لديه: الموصل بالعراق والرقة بسوريا.
ربما يكون من الأفضل ألا نسأل هذا السؤال، لكنه يجب أن يُسأل رغم ذلك: ما الذي سيحدث بمجرد سقوط الدولة الإسلامية؟ ربما سيعتمد مستقبل الشرق الأوسط على مَن سيملأ الفراغ الذي ستخلفه الدولة الإسلامية وراءها على الأرض، وربما ما هو أكثر أهمية، في خيال الجهاديين حول العالم.
بما أننا نشهد هذا الأسبوع الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11/9، ستكون أحد العواقب المحتملة لزوال تنظيم الدولة الإسلامية (أو كما تُعرف عادة الدولة الإسلامية في العراق والشام) هو إعادة إحياء منافسها الأيديولوجي، تنظيم القاعدة، الذي عارض طموحات البغدادي منذ البداية. ربما لا تزال القاعدة تستعد لموجة جديدة من الهجمات في الغرب وفي كل مكان، وهو ما قد تتوق بقايا الدولة الإسلامية لفعل مثله لإظهار أنها لا زالت ذات أهمية.
“ببساطة، لا يعني رحيل الدولة الإسلامية انتهاء مشكلة الجهاديين”، كما يقول دانيل بنيامين من كلية دارتموث، والذي عمِل منسقاً لشؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية أثناء إدارة أوباما. “سيُمثل القضاء على الخلافة إنجازاً، لكنه على الأرجح سيكون بمثابة نهاية البداية بدلاً من أن يكون بداية النهاية”.
ما جعل الدولة الإسلامية فريدة – وعامل جذب كبيراً، حتى الآونة الأخيرة، لكثير من الشباب والساخطين من المسلمين – هو نجاحها في إيجاد دولة حقيقية في سوريا والعراق. العام الماضي في مدينة الموصل، كانت أسعار الطعام أقل من مثيلاتها في بغداد وبقيت الشوارع نظيفة، وقام التنظيم حتى بطرد أهالي المدينة المسيحيين والشيعة، ومنع صالونات التجميل النسائية، وحظر على الرجال حلق لحاهم وألقى بمثليي الجنس من الرجال من فوق أسطح المنازل. وعلى عكس حكم طالبان في أفغانستان خلال التسعينيات من القرن الماضي، فإن موقعهم كذلك جاء في قلب الشرق الأوسط حيثُ يستطيع أتباعهم من كافة أرجاء العالم أن يهاجروا إليهم بسهولة نسبية، عبر حدود تركيا.
عندما أعلن البغدادي عن خلافته، مطالباً بأن يبايعه كافة المسلمين حول العالم وأن ينتقلوا، إن أمكن، إلى الدولة الجديدة، انتقد زعماء جهاديون ورجال دين أعلى مكانةً تلك الخطوة باعتبارها غير شرعية. رفضوا “الخليفة” باعتباره غير مؤهل وحذروا من أن المشروع بأكمله سينهار حتماً، وسيُعرض قضية الجهاديين للخطر.
كان أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، واحداً من أشد هؤلاء المنتقدين شراسةً. فقد وصف الدولة الإسلامية “بالخوارج” الجدد – طائفة منشقة من صدر الإسلام مكروهة عالمياً ومعروف عنها قتلها للناس دون تمييز وتصف كذباً المسلمين الآخرين باعتبارهم كفاراً.
لكن مع تزايد قوة الدولة الإسلامية، بدا أن مثل هذا النقد بلا أهمية. واعتبرت الدولة الإسلامية – إلى جانب مؤيديها ومتطوعيها المحتملين – انتصاراتها على أراضي المعركة في سوريا والعراق وليبيا بمثابة تصديق إلهي على مشروعها. بدّل المنتمون لتنظيم القاعدة، بامتدادهم الواسع حتى الفلبين وشمال القوقاز، بيعتهم إلى البغدادي.
بنفس المنطق، رغم ذلك، تقوّض الخسائر على أرض المعركة اليوم الأسس الدينية للدولة الإسلامية. “ستخلق خسارة الأراضي مشكلة كبيرة لأن جزءاً هائلاً من شرعية الدولة الإسلامية منذ إنشاء الخلافة عام 2014 جاء نتيجة سيطرتها على الأراضي”، كما قال ستيفان لاكروا، المتخصص في الحركات الإسلامية بمعهد الدراسات السياسية بباريس. وأضاف أن التنظيم جادل “بأن الخليفة ذو شرعية تحديداً لأنه يسيطر على الأراضي”.
يسيطر البغدادي اليوم على مساحات أقل وأقل من تلك الأراضي، بعد تخلي الدولة الإسلامية عن بلدة جرابلس السورية وعشرات القرى المجاورة بلا قتال يُذكر في الأسابيع الماضية. “نحن في نقطة هنا حيثُ نقف تماماً في قلب الخلافة”، كما قال الجنرال جوزيف فوتل، قائد القيادة المركزية الأميركية، في 30 أغسطس/آب الماضي.
أدركت الدولة الإسلامية نفسها أنه ربما لا يتبقى الكثير من الخلافة قريباً. حاول المتحدث الرسمي باسم التنظيم، أبومحمد العدناني، تمهيد الأمر لأتباعه في خطاب نُشر في مايو/أيار. “هل سنُهزم وتنتصرون إذا ما أخذتم الموصل أو سرت أو الرقة أو كافة المدن وإذا ما عُدنا كما كنا في البداية؟” كما وجّه العدناني تساؤله لأعداء التنظيم. “لا، الهزيمة هي فُقدان الإرادة والرغبة في القتال”. (قُتل العدناني في غارة جوية في سوريا أواخر شهر أغسطس الماضي).
لن تختفي الدولة الإسلامية كاملةً، سواء باعتبارها أيديولوجية أو تنظيم إرهابي، حتى وإن خسرت كافة أراضيها. لقد نجا سلفها في العراق من الحملة العسكرية الأميركية بين عامي 2007 و2009، لترتد مرة أخرى بعد أن وفّرت السياسات الطائفية للحكومة العراقية التي يقودها الشيعة الثورة ضد النظام السوري برئاسة بشار الأسد فرصاً جديدة لضم الأتباع والتوسع. ومن شبه المؤكد أن الدولة الإسلامية حاولت إظهار أهميتها من خلال ارتكاب مزيد من المذابح التي تتصدر عناوين الصحف في المنطقة والغرب. وكما يحذر خبراء مكافحة الإرهاب، قد تكون سكرة موت التنظيم شرسة.
“بينما يتحلل جسد الخلافة، وكلما تفكك وقمنا بتحطيمه، أعتقد أنهم سيرجعون إلى المزيد من جذورهم الإرهابية. وبذلك سيواصلون محاولة إما توجيه أو دعم أو تحفيز القيام بهجمات خارج المناطق الأساسية للعراق وسوريا”، كما قال الجنرال فوتل.
مع ذلك، فإن التحول من دولة فعلية إلى مجرد تنظيم إرهابي آخر، مَعْنِي بخلاصه الذاتي بشكل متزايد وفاقد لمصداقيته حتى بين الكثير من الجهاديين، لابد أن يزعزع الشرق الأوسط من جديد. سيتنفس ملايين الناس القابعين تحت حكم الدولة الإسلامية الصُعداء، كما سيفعل ملايين آخرون طردوا من منازلهم. لكن تفكيك “الخلافة” لن ينهي الصراع المشتعل الآن في سوريا والعراق وما حولهما، بل ربما حتى يزيد من شدته.
على مرّ العامين الماضيين جلبت الحملة المضادة للدولة الإسلامية تحالفاً واسعاً غير معتاد شمل الديمقراطيات الغربية وروسيا وإيران وميليشيات شيعية وتركيا وميليشيات كردية وملكيات الخليج السنية. بينما تتقلص الدولة الإسلامية، يُحتمل أن ينقلب بعض من هؤلاء الحلفاء على بعضهم البعض عند قتالهم على غنائم الخلافة.
وقعت تركيا بالفعل (وهي حليف للولايات المتحدة وعضو في الناتو) في صدام مع القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في شمالي سوريا حول أراضي انتُزعت مؤخراً من الدولة الإسلامية. تتنازع الحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة كذلك بشكل متزايد مع زعماء الإقليم الكردي في البلاد الذي يتمتع بحكم مستقل، بعد أن رفضت بغداد الاعتراف بالسيطرة الكردية على مناطق عدة حررها المقاتلون الأكراد من الدولة الإسلامية.
“تخلق الانتكاسات التي تواجهها الدولة الإسلامية في العراق والشام مشكلات أكثر من تلك التي نتجت عن وجودها بالأساس” كما قال حسن أبوهنية، الباحث الأردني في الجماعات الجهادية. “لقد أجلت ذريعة قتال داعش الصراعات وحركات الاحتجاج عبر الشرق الأوسط. سيجلب القضاء على داعش مرة أخرى الصراعات في كل مكان. وسيُشجع ذلك الأمر الناس الذين تراجعوا من قبل عن مطالبة أنظمة بلادهم بالإصلاحات لأنهم كانوا مشغولين بأمر داعش”.
إضافة إلى ذلك، فإنه لا يبدو أن النزاع السنّي-الشيعي للسيطرة على المنطقة قد ينتهي قريباً، وهو التنافس الذي غذّى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). بل سيزداد النزاع حدّة إذا ما سيطرت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران على الأراضي التي يحتلّها تنظيم داعش والتي تقطنها غالبية عربية سنيّة. وقد لعبت هذه الميليشيات الدور الأكبر في قتال تنظيم داعش، خاصة في العراق. وسيكون ظهور هلال شيعي ممتد من إيران حتى لبنان بمثابة الكابوس للملكة العربية السعودية وحلفائها من السنة؛ ومن ثمّ ستحاول ضمان أن يصبح السنةُ العرب، بعد تحررهم من سيطرة الدولة الإسلامية، قادرين على الدفاع عن أنفسهم بشكلٍ أو بآخر.
وكما يقول صالح المطلق: “لن يكون هناك حل عسكري ما لم يكن هناك آخر سياسي لكافة المشكلات التي تعاني منها مناطق السنة”. وأضاف السياسيّ السنّي ونائب رئيس الوزراء السابق أن “تلك المشكلات نتجت عن الاحتلال الأميركي للعراق”.
من الممكن أن يستغل المنافس الأيديولوجي الأكبر لتنظيم الدولة الإسلامية في الوسط الجهادي، وهو تنظيم القاعدة الذي يقوده الظواهري هذا الوضع. فالقاعدة تدّعي الدفاع عن السنّة ضد ما تسميه “التحالف الصفويّ الصليبيّ” بين إيران والولايات المتحدة (الصفويون هم سلالة حكمت إيران وحوّلتها في القرن السادس عشر الميلادي إلى اعتناق المذهب الشيعي).
وقد كان الظواهري دوماً شديدَ الانتقاد لتنظيم “الدولة الإسلامية”، فقد بدأ بتوجيه النقد عبر قنوات خاصة ثم صار يوجّهه علانيةً. وقد خرجت الدولة الإسلامية من عباءة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فرع القاعدة في العراق، بعد وقت قصير من مقتل مؤسس فرع القاعدة الأردني أبومصعب الزرقاوي في قصف جويّ أميركيّ في عام 2006. وقد تنازع الظواهري مع الزرقاوي ومع من خلفوه في قيادة القاعدة في العراق (التي سمّيت لاحقاً باسم “دولة العراق الإسلامية”) حول استهداف التنظيم للمدنيين الشيعة وقتلهم مع عدم السعي لضمان دعم شعبيّ لأهداف التنظيم.
ومع اندحار دولة العراق الإسلامية على أيدي القوات الأميركية والميليشيات السنّية الموالية للحكومة العراقية، أعاد التنظيم تثبيت نفسه مرة أخرى في سوريا مع اندلاع الثورة السوريّة 2011 وتحوّلها إلى حرب أهليّة. وقد أصبح الفراغ السياسيّ والعسكري الناتج عن تلك الحرب ملاذاً للتنظيم، إذ سعى إلى توظيف المظلمة السنّية لاستقطاب المتطوعين من كافة الأنحاء، حتى أصبح التنظيم أبرز منظمة جهادية في العالم. وفي فبراير/شباط 2014، وبعد أشهر من الخلافات المريرة، فكّ تنظيم داعش ارتباطه مع القاعدة، وهو انفصال صبّ أيضاً في مصلحة البغدادي في تنافسه مع فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، والتي بقيت على ولائها للظواهري (حتى فكّ الارتباط كما سيأتي لاحقاً).
وقد خفت نجم القاعدة، وإن لم تختفِ تماماً، مع تصاعد العمليات الدامية لتنظيم داعش وانتشار تسجيلاتها المروّعة. فتحت قيادة الظواهري، الطبيب المصريّ والذي يعتقد تواجده الآن في باكستان، تبنّى تنظيم القاعدة مقاربةً أكثر واقعيّة/براجماتيّة، تقوم على اللامركزية في عملياتها، والتجذّر في البلاد التي تعمل فيها، مع تكوين تحالفات مع مجموعات أقل راديكاليّة.
يقول بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون، “لا بدّ أن الظواهري يجني اليوم ثمار عمله”. ويضيف هوفمان، والذي عمل مستشاراً للإدارة الأميركية في قضايا مكافحة الإرهاب، إن الظواهري “قاد القاعدة بطريقة أكثر دقّةً وبراعة من سلفه، وأنه استطاع دوماً أن يكون الأكثر صبراً في اللعبة، وما يراه اليوم ليس إلا تأكيداً على صحة استراتيجيته”. فمع قيام الدولة الإسلامية “باستنفاذ كل الهواء في الغرفة” المتاحة للمسؤولين الغربيين في مجال مكافحة الإرهاب، تشتت الأنظار عن القاعدة ولم يعد أحد ينتبه إليها.
وفي الأسابيع الأخيرة، قام الظواهري بتكثيف انتقاداته للدولة الإسلامية، والتي يدعوها باحتقار وسخرية “مجموعة إبراهيم البدري” (وهو الاسم الحقيقي لأبي بكر البغدادي)، واصفاً المجموعة المنافِسة بأنها “خنجر في الظهر” للجهاديين السنّة. وفي خطاب بثّ على شبكة الإنترنت، قارن الظواهري بين ما وصفه “هاوية التطرف وبقائها أداة يروّج بها الكفار ضد الجهاد، وسفك الدم الحرام” الذي تقوم به الدولة الإسلامية وبين “جهود القاعدة لتوحيد السنّة”.
ومما يلفت النظر قيام القاعدة بالتركيز مؤخراً على العمل ضمن تحالفات أوسع، خاصة في سوريا. فقد نفت جبهة النصرة أيّة نيّة للقيام بهجمات خارج سوريا، وقد أعلنت في يوليو/تمّوز الماضي فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة، الخطوة التي اعتبرها مسؤولون غربيّون مجرّد حيلة، إلا أنها جعلت الجبهة أكثر قبولاً لدى بعض المجموعات السنيّة الأخرى. ومع إعادة تسمية النصرة لنفسها، تعمل اليوم تحت مسمّى “جبهة فتح الشام”، والتي صارت تضم جهاديين ومقاتلين معتدلين ممن تدعمهم الولايات المتحدة. ويثمّن الكثير من السنّة السوريين جهودَ الجبهة في قتال نظام الأسد المدعوم من قِبَل إيران، خاصة في مدينة حلب شماليّ سوريا، ويستشيطون غضباً تجاه الجهود الأميركية لاستهداف الجبهة.
يقول السفير الأميركي الأسبق إلى سوريا (2011-2014) روبرت فورد “يدهشني كثيراً كيف تعلّم قادة القاعدة من أخطائهم وتجاربهم السيئة في العراق”. ويضيف زميل معهد الشرق الأوسط (ومقره واشنطن) “لقد صاروا أقل وحشيّة في سوريا عما كانوا عليه في العراق، وأصبحوا يتحالفون مع فصائل غير جهادية، الأمر الذي لم تفعله القاعدة في العراق أبداً. وفي سوريا تبدو القاعدة أكثر براعة في تكتيكاتها وتحظى بدعم شعبيّ… وسيجعل هذا من الصعب أن يتم احتواؤها بسهولة، وسيكون من الأصعب قتالها أو اكتساب تأييد الرأي العام لهذا الأمر”.
وكما يلحظ فارع المسلمي، الخبير في مركز كارنيجي للشرق الأوسط في بيروت، من الممكن لفروع القاعدة الأخرى، في اليمن وشمال أفريقيا، أن تستفيد من اندحار داعش. فالفرصة سانحة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والذي تبنّى العام الماضي مذبحة مجلة شارلي إبدو، أن “ينتعش من جديد اليوم” بتركيزه على دعم السنّة في الحرب الطائفية العنيفة التي تدور رحاها في اليمن. ومع أفول نجم تنظيم داعش، يستطيع تنظيمُ القاعدة في المغرب الإسلامي، والذي قام بتنفيذ عمليات دموية خلال السنوات الماضية في فنادق دولية في مالي وبوركينا فاسو وساحل العاج، توثيقَ علاقاته مع حلفاء الدولة الإسلامية السابقين في نيجيريا، متمردي بوكو حرام الدمويين، والذين تمزّقهم الانقسامات حول قيادة المجموعة.
ويقول المحلل السياسيّ واللواء الأردني السابق محمود إرديسات “لا أعتقد أنه من الممكن أن ننعم بالهدوء بعد طرد داعش من الموصل والرقّة. بل ينبغي أن تتواصل الجهود ضدهم؛ فلو استسلمنا للراحة، سنجدهم قد عادوا من جديد”. ويضيف “لا يجب أن ننسى القاعدة كذلك، فقد خرج تنظيم الدولة الإسلامية من عباءتها”.