صنعاء- عثمان تراث: عندما وقف الشاب اليمني فارع المسلمي ليلقي خطاباً أمام الكونجرس الأمريكي في أبريل 2013 كان عمره 23 عاماً. وبحس إنساني عميق صب حديثه على الهجمات التي تنفذها طائرات أمريكية بدون طيار في بلاده. كان ذلك بعد ستة أيام فقط من تنفيذ طائرة غارة على منطقته الريفية “وصاب”.
تستهدف تلك الهجمات أعضاء مفترضين في تنظيم القاعدة، حسب ادعاء الإدارة الأمريكية، ولكنها كثيراً ما تتخطي أهدافها، لتقتل أبرياء، أو تنال من أشخاص كان من الممكن القبض عليهم بدلاً من قتلهم. وكان هذا هو موضوع شهادتين خطية وشفهية قدمهما المسلمي إلى الكونجرس.
نال خطاب الشاب اليمني تصفيقاً عالياً في قاعة المؤسسة الدستورية الأولى في الولايات المتحدة، ثم امتد إلى صحف ووسائل إعلام أمريكية ودولية وعربية واليمنية، ليشكل منطلق نقاش جدي حول جدوى هذا النوع من عمليات محاربة الإرهاب.
كان المسلمي أصغر متحدث يقف أمام الكونجرس. وبسبب الدور الهام الذي أداه في مناهضة ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن DRONES، اختارته مجلة السياسة الخارجية الأمريكية “فورين بوليسي” ضمن قائمتها لأهم مائة شخصية في العالم لعام 2013. وقالت المجلة، إن “هذه الشخصيات غيرت، بشكل قابل للقياس، السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا والفن خلال عام 2013”.
والمسلمي هو أصغر شخصية ترد في قوائم “فورين بولسي” بعد الطفلة الباكستانية ملالا يوسف، وهو ثاني يمني يدرج في تلك القوائم بعد صاحبة نوبل توكل كرمان.
وفي فبراير الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي فارع المسلمي لسماع رأيه، مع آخرين، حول قرار بشأن اليمن كان المجلس بصدد إصداره. واستقبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الشاب اليمني في 15 يناير الماضي لتهنئته على النجاحات التي حققها.
النشأة والدراسة
يخبرنا المسلمي بأنه ولد في مديرية وصاب بمحافظة ذمار (جنوب صنعاء)، وعاش سنوات حياته الأولى في قريته، وتنقل في دراسته الأساسية والثانوية بين وصاب وصنعاء. وفي المرحلة الإعدادية نال منحة من معهد أميديست في صنعاء لدراسة اللغة الإنجليزية لمدة ستة أشهر. وبمنحة لاحقة انتقل إلى الولايات المتحدة، حيث درس في المرحلة الثانوية، وعاش حينها لمدة سنة مع أسرة أمريكية.
عقب عودته إلى اليمن، عمل المسلمي في مكتب المعهد الديمقراطي الأمريكي في صنعاء، ثم حظى بمنحة أخرى أتاحت له الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج في 2013 بشهادة البكالوريوس في السياسة العامة. وهو يكتب منذ السابعة عشرة من عمره عن مختلف القضايا اليمنية في عدد من وسائل الإعلام اليمنية والخارجية.
مع المسلمي
صادف لقاءنا بفارع المسلمي عيد ميلاده الرابع والعشرين، كنت أبحث في حديثه عن ما يعبر عن سنه الصغير، ولكني لم أجد غير نضج كبير. يتحدث “بلغة عالية تكبره بعشرين عاماً على الأقل”، قال ذلك الكاتب اليمني عبدالرزاق الحطامي، ووصفه بأنه “محلل سياسي يهبط على القضية من علو، كما يفعل الفيلسوف. يمر في العمق ويمنح الأشياء والأحداث والقضايا رؤيته المتفردة واستشرافاته”.
شهادة الكونجرس
يشدد المسلمي على أن ضربات الدرونز تساعد تنظيم القاعدة ولا تهزمه، ويؤكد أن هذه الضربات تستخدمها القاعدة لاستقطاب أعضاء جدد: “الثأر جزء من الثقافة القبلية السائدة في اليمن، والذين فقدوا أعزاء في هذه الضربات ينضمون إلى القاعدة، بحثا عن الانتقام، وليس عن أيديولوجيا”.
ويري أن أكثر من 90% من ضربات الطائرات الأمريكية في اليمن استهدفت أشخاصاً معروفين لدى الدولة والمجتمع وكان من السهل جدا القبض عليهم.
ويعتبر فارع أن هناك استهتاراً شديداً في قضية المستهدفين بطائرات الدرونز: “لا أحد يدري من هم الموجودون في قائمة المستهدفين. إذا أنا، مثلاً، عرفت أن هناك شخصاً موجوداً في القائمة، سأبتعد عنه، وأنجو”، “الشعب اليمني شعب مضياف، يمكن أن تستضيف شخصاٌ، وأنت لا تعرف أنه من القاعدة، ثم فجأة تُقتل أنت، وهو في غارة جوية”.
سبب القاعدة
يعتقد فارع أن تنظيم القاعدة في اليمن هو ناتج وليس فاعلا في حد ذاته، وسببه الرئيسي “احتكار السلطة من قبل نخبة اختطفتها”.
ويري المسلمي أن محاربة القاعدة تقتضي تغيير استراتيجية مواجهتها: “اذا أردت أن تنهيها عليك بحكومة أفضل، وبأداء حكومي أفضل، يجب أن تكون الدولة حاضرة، وراغبة في ذلك، وهذا كله غير موجود حتى الآن”.
توصيل النقاط
كيف تفكر في المستقبل؟ كان هذا أخر سؤال وجهناه لفارع المسلمي، فأجاب: “لدى رؤية، أما التفاصيل فستأتي”، وأضاف: “وكما قال ستيف جوبز صاحب أبل، فإن المرء يقوم بأشياء كثيرة قد لا تبدو واضحة، ولكن عندما تصل النقاط مع بعضها سيتضح الأمر”. “من الواضح أنني مهتم باليمن، وبالشأن اليمني، وأريد أن أبذل جهدي للمساهمة في إيجاد وأقع أفضل لليمن ولليمنيين”.