وقالت مراسلة الصحيفة في تقرير “في داخل شرق اليمن: حرب الخليج الجديدة بالوكالة التي لا أحد يتحدث عنها”، مشيرة إلى أن المحافظة التي ظلت بعيدة عن الحرب الأهلية في البلاد صارت مجالا للتنافس بين دول الخليج.
والتقت في البداية مع سالم بلحاف، أحد عناصر القبائل المسلحة التي اشتبكت في السنوات الأخيرة مع القوات السعودية، وجرح في معركة على نقطة تفتيش. وتحدث بلحاف للصحافية وهو يمضغ القات قائلا إن السعوديين وقواتهم كانوا يخططون لشيء عندما أطلقوا النار على نقطة تفتيش مؤقتة. وتعلق ترو أن المهرة التي لطالما احتفظت بنوع من الاستقلالية الثقافية واللغوية باتت في مركز حرب وكالة لا أحد يهتم بتغطيتها.
وينظم الرجال والنساء تظاهرات احتجاجية منتظمة ضد ما يرونه “احتلال” الرياض لمحافظتهم. وتتمتع المهرة بوديانها الحالمة وطبيعتها التي تشبه سطح القمر، وظلت بعيدة عن حرب الخمسة أعوام التي اندلعت بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتدخل السعودية والدول المتحالفة معها لإخراجهم منها. ولوحظ في الفترة الماضية ظهور جماعات مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية فيها.
وظلت المهرة حتى عام 1967 سلطنة عمرها 450 عاما كانت تضم الجزيرة المحمية من اليونسكو، سقطرى، وأرخبيل الجزر المحيط بها. وظلت المحافظة بشكل عام شبه مستقلة. وبعد حكم بريطاني قصير، لم ترغب المهرة في الانضمام إلى جنوب اليمن الذي اتحد مع الشمال عام 1990.
وتتحدث القبائل المهرية لغتها الخاصة، ولديها حس قوي بالاستقلال، وابتعدت والحالة هذه عن الحرب التي اندلعت عام 2015. إلا أن المحافظة ومنذ عام 2017 وجدت نفسها في وسط حرب الوكالة الجديدة المستعرة بين دول الخليج. وبحسب الباحثين اليمنيين، بدأ السعوديون بنقل 1.500 من قواتهم إلى المنطقة وتدريب القوات المحلية لمواجهة تهريب الأسلحة المنتشر عبر حدود سلطنة عمان.
وقبل وصول السعوديين، تم استبدال محافظ المهرة محمد بن كده، وعين بدلا منه راجح باكريت الذي اختاره السعوديون. ولم يعش المحافظ الجديد إلا فترة قصيرة في المهرة ووصل إليها على متن طائرة سعودية. ورغم وعدها بعدم السيطرة على مطار المحافظة المدني، قامت الرياض بإغلاقه وحولته إلى مقر عسكري.
وبدأ السعوديون ببناء خمس قواعد عسكرية، بعضها تحت الإنشاء، بالإضافة إلى عشرين نقطة عسكرية، حسب بعض السكان المحليين الذين عبروا عن غضبهم واتهموا السعودي بالاستيلاء على أراضيهم. ودافع السعوديون عن تحركاتهم قائلين إن أسلحة ثقيلة تم نقلها عبر البحر أو الحدود مع عمان إلى المتمردين الحوثيين الذين يوجهون صواريخهم وطائراتهم المسيرة ضد السعودية، ووصلت حتى العاصمة الرياض.
ولم يغضب التواجد السعودي في المهرة سكانها فقط، بل وأدى إلى صدع في العلاقة مع الجارة عمان أيضا، حسبما يقول خبراء ودبلوماسيون أجانب. وترى مسقط في سيطرة السعودية على جارتها المهرة تهديدا، خصوصا أن هناك امتدادا للقبائل العمانية والمهرية عبر الحدود.
وحذر الخبراء من أن عمان، التي وصفت مرة بسويسرا العالم العربي لحياديتها في نزاعات المنطقة، بدأت بنقل الدعم للجماعات المرتبطة بها. وعبر دبلوماسيون بريطانيون في مقابلة مع الصحيفة عن قلقهم من دخول مسقط في حرب الوكالة المعقدة.
وتعلق ترو أن التوتر حول المهرة لم يحظ باهتمام دولي، إلا أنه قد يترك تداعيات واسعة ومدمرة على المنطقة حالة واصل الأطراف محاولات السيطرة على المنطقة. ويقول فارع المسلمي من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية: “كانت المهرة معزولة وآخر منطقة مستقرة في اليمن، إلا أن حربا إقليمية تتخمر، والمهرة هي الجبهة الجديدة لحرب الوكالة”.
وتم اعتقال باحث المعهد، الصحافي المحلي، يحيى صواري، في الثالث من تموز/يوليو، عندما كان يحاول مقابلة متظاهر معاد للسعودية. ولا يعرف المركز أو عائلته أين ذهبت به الجماعة الموالية للسعودية، فيما طالبت لجنة حماية الصحافيين بالإفراج عنه. وبعد خمسين يوما على اعتقاله ظهرت رسالة على صفحته في “فيسبوك”، حيث استطاع إرسالها، وقال إنه تعرض للتعذيب كي يعترف أنه عمل لقطر وعمان، فيما لا يزال شقيقه في عداد المفقودين.
وكان صواري يبحث في الأسباب التي جعلت عمان تجر إلى النزاع على المهرة. وبحسب المسلمي وحوارات أجرتها الصحافية مع قبائل المهرة، فإن عمان تقوم بإرسال الدعم المالي للقوى داخل المهرة لمنع سيطرة السعودية الكاملة عليها. وتتهم عمان بأنها وراء التظاهرات المعادية للسعودية.
وقال المسلمي إن “عمان هي آخر جار محايد لليمن، إذ لم تشارك في الحرب حتى الآن”، ورفض المسؤولون العمانيون الحديث مع الصحيفة والتعليق. إلا أن الكثير من العمانيين يرون أن القيادة العمانية بحاجة للتعبير عن موقف قوي ضد التغلغل السعودي في المهرة. ويقول الإستراتيجي العماني عبد الله الجيلاني إن المهرة هي “حديقة عمان الخلفية”، و”قمنا ببناء الكثير من البنى التحتية هناك، ولنا علاقة سياسية قوية. والمهرة هي منطقة عازلة ظلت منطقة هادئة حتى جلبت السعودية والإمارات قواتهما”. كما وضعت المهرة السعودية والإمارات في موقف التضاد، إذ حاولت أبو ظبي -وفشلت- بناء قوة محلية في الفترة ما بين 2015-2017 بذريعة مواجهة القاعدة، كما فعلت في محافظات الجنوب بما فيها عدن.
وفي هذه الأثناء، أقامت الإمارات عددا من القواعد العسكرية على الساحل الجنوبي والمناطق الأخرى. وتقول المحاضرة في جامعة أوكسفورد، إليزابيث كيندال، الخبيرة بالمهرة، إن الوجود العسكري السعودي “سيوقف جهود الإمارات من السيطرة الكاملة على الجنوب”، و”لو كان لديهم قواعد عسكرية فهذا يعني أن الإمارات لن تحظى بجنوب منفصل، ولا السيطرة على المهرة أو سقطرى“. وقالت إن الحملة السعودية لوقف عمليات تهريب السلاح لم توقفها بشكل كامل. وتابعت: “بالتأكيد جاء السعوديون لوقف التهريب، ولكنهم لن يغادروا على ما يبدو، وفي الوقت الذي عالجوا فيه الشحنات الكبرى، إلا أن الشحنات الصغرى مستمرة”.
وتقول ترو إن منظور نهاية الحرب التي خاضتها السعودية والإمارات ضد الحوثيين ومضى عليها خمسة أعوام ما زال بعيدا. وهي الحملة التي بدأت لإعادة حكومة عبد ربه منصور هادي الذي أجبر على الخروج من صنعاء إلى عدن. وفي أثناء الحرب، قامت الإمارات بتدريب 90.000 من المقاتلين المحليين لمواجهة الحوثيين وجماعتي القاعدة وتنظيم الدولة اللتين استفادتا من الفراغ الأمني.
ومن رماد الحرب، خرجت مجموعة من الحروب الصغيرة، بما في ذلك الحرب في الجنوب التي اندلعت بسبب تقوية دول الخليج للجماعات المطالبة باستقلاله. وسيطرت هذه على مدينة عدن هذا الشهر. ولهذا لم يتم الاهتمام بالمهرة التي تبعد 850 ميلا عن الجبهات المتعددة. وتقول المعلمة نادرة محمد (30 عاما)، التي قادت حركة المعارضة للوجود السعودي بالغيضة، عاصمة المهرة: “ما يثير القلق أكثر هو أن الاحتلال السعودي سيسيطر على أرض أكثر وسيتحول إلى العنف”.
وتقاتل النساء تدفق الجماعات السلفية التي تهرب من الحرب الدائرة في أجزاء مختلفة من البلاد، والتي بدأت بالظهور بعدما أقام السعوديون قاعدتهم في المطار. وتعتقد النساء أن السعودية شجعت السلفيين على الانتقال إلى محافظة المهرة، ولكنها تعارض التفسيرات المتطرفة للإسلام، وترى في السلفية تهديدا على طريقة حياة السكان. وتقول نادرة إن تظاهرات الرجال تم قمعها بالقوة، وزعمت أن ثلاثة اعتقلوا واختفوا. وقالت: “هذا هو الخوف الأكبر، فلو استمر الوضع فستحدث حرب هنا”.
وقتل شخصان في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 أثناء تظاهرات للقبائل المحلية هاجمتها القوى المدعومة من السعودية. وبدأ التحالف الذي تقوده السعودية باستخدام طائرات الأباتشي لمواجه المتظاهرين. وتنفي السعودية استخدام العنف، قائلة إن التظاهرات تدفع بها جماعات قبلية ساخطة بعدما خسرت تجارة التهريب. وتنفي نادرة والنساء معها دور مسقط في التحريض على التظاهرات. وقال شقيقها حازم الكدة (28 عاما) إن السعوديين احتجزوه في المطار لفترة قصيرة، وسألوه عن دور شقيقته في التظاهرات، وطلب منه التوقيع على وثيقة يعد فيها بعدم المشاركة في التظاهرات، و”طلبوا مني إخبار شقيقتي بعدم المشاركة بالاعتصامات، وأطلقوا سراحي بعد عشر ساعات وتدخل مشائخ القبائل”. وقال: “المطار بات مثل القرية مليئا بالسيارات المصفحة والأسلحة، وسيحدث نزاع بين القبائل لو واصلوا اعتقال أبناء القبائل“.
وخارج القبائل، هناك عدم ارتياح بين السكان المحليين الذين عبروا عن مخاوفهم من الوضع ومن الجيش الجديد في الخارج، كما يقول عبد الله (40 عاما)، في إشارة إلى القوات المحلية التي دربتها السعودية. وقال: “كنا نعيش بسلام حتى جاءوا وبدأوا باعتقال الناس من بيوتهم، واتهموهم على ما يبدو بأنهم محرضون ومتطرفون”.
فيما يشتكي الصيادون الفقراء من عدم السماح لهم بالصيد قرب القاعدة العسكرية السعودية الجديدة، وقالوا إن السعودية تلاحقهم بتهمة تهريب السلاح. وقال سعد عبد الله (30 عاما) إن محله تعرض للمداهمة مما زاد التوتر. وقال إن موارد محله تراجعت ثلاثة أرباع بسبب تضييق مناطق الصيد، و”لو كنا مهربين لكان لدينا أموال طائلة، وليس الجلوس في شريط صغير للصيد”.
ويقول المسؤولون السابقون الذين أجبروا على ترك مناصبهم إن محاولات السيطرة على المهرة هي جزء من خطط بناء أنبوب نفط سعودي عبر المهرة إلى بحر العرب، وذلك بعد تعرض أنابيب النفط إلى البحر الأحمر والناقلات في خليج عمان لعمليات تخريب.
ويقول أحمد محمد القحطان، مدير الشرطة السابق في المهرة: “منذ بداية الأزمة في مضيق هرمز، لاحظنا أن السعوديين اشتروا أسلحة جديدة وزادوا من السيطرة على الحدود، وزادوا أيضا من عمليات تجنيد القوى المحلية”، وقال: “يريدون تصدير النفط عبر هذه المناطق إلى بحر العرب وتجنب مضيق هرمز. واستخدموا ذريعة وقف التهريب والإرهاب”.
ويعيش قحطان في مسقط هذه الأيام، وكان صريحا عندما قال: “نرغب باستصدار قرار من الأمم المتحدة لإخراج الإمارات والسعودية من اليمن في غضون شهر. ونفضل إسرائيل على من هناك الآن”. ويعمل معه علي سالم الحريزي المعروف بين أتباعه بالجنرال. ويعترف الحريزي بأن عمان قدمت له الدعم، ويعتقد أن الهدف الرئيسي للسعوديين في اليمن هو النفط والسيطرة على الأرض. وقال إن رجال قبيلته وجدوا مهندسين بحراسة سعودية وهم يضعون علامات لبناء خط النفط. ويقول إن السعوديين والإماراتيين زرعوا الميليشيات هنا وسيبدأون حربا أهلية، وقد بدأت هذه الحرب”.