مع استمرار الحرب الأهلية اليمنية، تزدهر التنظيمات الجهادية في ظل الفوضى.
في منتصف حزيران/يونيو، أعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن مقتل قائد التنظيم ناصر الوحيشي في غارة طائرة من دون طيّار على مدينة المكلا. وشكّل ذلك أقسى ضربة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب منذ أن أسّسه الوحيشي وعضو سعودي في التنظيم هو سعيد الشهري في العام 2009، حين دمج الرجلان فرعَيْ تنظيم القاعدة في كلٍّ من اليمن والسعودية في مجموعة واحدة. وقع الاغتيال فيما يواصل التحالف الدولي بقيادة المملكة العربية السعودية عملياته في اليمن. بعد أسابيع على ذلك، قُتل أبو هاجر الحضرمي، المُنشد الديني الشهير في تنظيم القاعدة، في غارة طائرة من دون طيار مماثلة، شكّلت واحدة من بين العديد من الغارات التي أسفرت عن مقتل عددٍ من القادة البارزين في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
قد يمثّل مقتل الوحيشي نقطة تحوّل لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وفي بيان نعي الوحيشي، بدا تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أكثر استرسالاً في شرح حيثيات تعيين قاسم الريمي من جانب أعضاء مجلس شورى التنظيم – كخلفٍ للوحيشي وقائدٍ جديد للتنظيم – من توضيح ظروف مقتل سلفه. جرى تعيين الريمي بسرعة ملحوظة خلال “اجتماع اكبر عدد ممكن من أهل الشورى في الجماعة” وفقاً للبيان، في خطوة بدت أنها تستبق اعتراضات من الداخل على تعيين الريمي عبر شرح الظروف الصعبة التي اتُّخذ في ظلّها القرار.
التنافس الداخلي وصعود تنظيم الدولة الإسلامية
من شأن الصراعات داخل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن تشرح أسباب عدم كشف قيادته عن حيثيات مقتل الوحيشي. ارتبط تنظيم القاعدة في جزيرة العرب لسنوات بشبكة داخل اليمن تُسمّى أنصار الشريعة، والتي يبدو أنها أُنشئت كنوعٍ من منظمة-واجهة يجذب من خلالها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الدعم المحلّي ويسيطر على المناطق. أحد قادة التنظيم هو جلال بلعيدي، المعروف أيضاً باسم حمزة الزنجباري. وفيما كانت أهداف الوحيشي العالمية بديهية – إذ أعلن بشكل واضح عن ولائه لتنظيم القاعدة العالمي بقيادة أيمن الظواهري – لم تكن نوايا بلعيدي واضحة، ولاحظ كثيرون الاختلافات بين المسارَيْن اللذين اختارهما الرجلان على مدى السنوات السابقة. قال لي مسؤول غربي رفيع: “لست أقول إن ناصر الوحيشي كان يتلقّى أوامره من أي طرف يمني، لكننا لانعرف بالفعل من يعطي الأوامر لجلال بلعيدي”.
الواقع أن تنظيم أنصار الشريعة بقيادة بلعيدي لايبدو أنه يعتبر الولايات المتحدة هدفه الرئيس. وظهر عوضاً عن ذلك أنه يعمل على إنشاء إمارات محليّة في أماكن مختلفة، كما كان واضحاً في منطقة أبين بين عامَيْ 2011 – 2012.
في أواخر حزيران/يونيو، ذكرت مواقع إخبارية يمنية أن بلعيدي انشق عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وأنصار الشريعة وانضم إلى تنظيم الدولة الإسلامية. لكن، في منتصف آب/أغسطس، نشر تنظيم القاعدة في جزيرة العربمقابلة مع بلعيدي تحدّث خلالها عن الأحداث الأخيرة، وحثّ “اليمنيين السنّة” على محاربة الحوثيين. ولم تتضمّن المقابلة أي أسئلة حول تنظيم الدولة الإسلامية.
خلال الأشهر الستة الأخيرة، نفّذ مناصرو تنظيم الدولة الإسلامية عدداً من الهجمات الانتحارية التي استهدفت مساجد ومدنيّين في اليمن. كانت إحدى الهجمات الأخيرة عبارة عن أربعة تفجيرات هزّت صنعاء بعد يومٍ واحد من إعلان مقتل الوحيشي. وكان قد سلّط قتل جنود يمنيين أسرى وعمليات مماثلة الضوءَ على تنظيم الدولة الإسلامية، على حساب تنظيم الوحيشي. وعلى عكس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، لايبدو أن للجناح اليمني لتنظيم الدولة الإسلامية خططاً محليّة تتخطّى العنف. ففي حين حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أن يكسب الرضى والدعم واتّبع سياسة الحياد تجاه السكان المحليين، يتجاهل تنظيم الدولة الإسلامية هذه الاستراتيجية بالكامل، إذ وصلت وحشيته في اليمن إلى المستويات نفسها كما في سورية والعراق.
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يزدهر في ظل الفوضى في اليمن
على الرغم من فقدانه قادة مثل الوحيشي وصعود منافس قوي هو تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب هو في وضع يؤهّله للنمو في اليمن، لكن ليس بالضرورة في شكله أو هيكله الراهن.
انهارت السلطة المركزية في اليمن منذ 2011 – 2012، حين أطاحت المظاهرات الشعبية علي عبدالله صالح الذي أمضى سنوات كثيرة في سُدة الرئاسة. وفيما فشلت العملية الانتقالية التي تلت ذلك، انهار اليمن نتيجة الصراعات الجهوية والدينية والقبلية والسياسية. فقد خرجت جماعة إسلامية زيدية (قريبة من الشيعة) تُدعى الحوثيين من شمال اليمن حيث كان معقلها لسنوات طويلة، وسيطرت على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014. ولم يعد هناك قيادة جيش وطني، كما أن الوحدات العسكرية التي كانت تحارب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب قد تفكّكت أو استُنزفَت في معارك أخرى. وانهار سلاح الجو اليمني حين وقع في قبضة الحوثيين، ماوضع حدّاً لسنوات كثيرة من الغارات ضد القاعدة. وفي نهاية المطاف، حَرَفت الحرب الأهلية اليمنية الانتباه عن القاعدة، فيما السعودية وسائر البلدان منشغلة راهناً في الحرب ضد صالح والحوثيين، إذ بدأت بالتدخّل العسكري في اليمن في آذار/مارس 2015.
كما ساعد صعود الحوثيين تنظيمَ القاعدة بطرقٍ أخرى. ففي السابق، لم يكن للصراع بين الجيش اليمني وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعدٌ طائفي واضح، مع أن المتطرّفين السنّة في تنظيم القاعدة كانوا يرونه من هذا المنظور. لكن زحف الحوثيين وصالح إلى الجنوب في العام 2014 أثار معارضة في صفوف المجتمعات المحلية غير الزيدية، وفاقم السردية الطائفية التي حاول أن يغذّيها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وعلى نحو غير مستغرَب، تمثّل ردّ فعل بعض المعارضين للحوثيين وصالح وإيران، في قبول دعم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
يُضاف إلى ذلك أيضاً تزايد عدد الأشخاص المقموعين من جانب الحوثيين. فبين عامَيْ 2013 – 2014، طردت جماعة الحوثيين ذات النفوذ المتزايد أعداءها الألدّاء منذ فترة طويلة، وهم سلفيّو معهد دار الحديث الديني، من بلدة دمّاج الشمالية. وتؤكد مصادر محلية في لحج وعدن وتعز أن هؤلاء السلفيين لايزالون منخرطين في الحرب بعد أن خسروا منطقتهم. إذ إن بعض السلفيين النازحين من دمّاج شكّلوا مقاومة قوية ضد سيطرة الحوثيين في جبل جرّة في تعز. فالعداء بين الحوثيين والحركة السلفية ليس ظاهرة جديدة حتماً، كما أن الخلاف الطائفي بين السلفيين والزيديين يسبق هذا الصراع بفترة طويلة. لكن، تجدر الإشارة إلى أن سلفيّي دار الحديث ينتمون إلى تيّار فكري مختلف عن تنظيم القاعدة، وأنهم أقلّ عنفاً، كما أنهم تجنّبوا عموماً الانخراط في أنشطة التطرّف الجهادي الدولي. وبما أن أعضاء هذه الجماعة أصبحوا الآن مشتَّتين ومُعدَمين ويقاتلون إلى جانب تنظيم القاعدة في جزيرة العرب ضد الحوثيين، قد يبدأون بسهولة بالانضمام إلى صفوف تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، أو بالانتقال إلى تنظيم الدولة الإسلامية عبر المرور بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
بعبارة أخرى، يشي الوضع العام في اليمن بأن ظاهرة الجهادية على طريقة تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية ستنمو على الأرجح، سواء في شكلها الراهن أو ستتخذ أشكالاً وأسماء جديدة. حتى في حال ضَعُفَ أو انقسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد مقتل الوحيشي، ستملأ الفراغ فصائل أكثر تطرّفاً وتروّج لإيديولوجية مماثلة، كتنظيم الدولة الإسلامية، طالما لاتوجد سلطة شرعية في اليمن.