تدخل اليمن منعطفا خطيرا وزلقا للغاية مع أول اقحام مباشر للقوات الجوية اليمنية في صراع سياسي منذ تأسيسها قبل ما يقارب المائة عام ، حينما تم استخدامها مؤخرا لقصف مقر الرئيس اليمني في عدن. ومع اقحام القوات الوحيدة المرجحة لكفة الدولة في صراع سياسي ، تضع جماعة الحوثيين كسلطة الأمر الواقع في صنعاء المبررات التي يبحث عنها البعض لفتح بوابة البلد لتدخل خارجي خطير ، كما تطرح اسئلة في غاية الخطورة عن الهدف الأبعد للجماعة بخصوص مصير اليمن واليمنيين.
اليمن حاليا بلد تحت البند السابع وهذا يخول الخارج بدرجة أكثر من المعتاد للقيام بأي تدخل عسكري في أي لحظة كانت ولو تحت مبررات بسيطة, و في هذه الأوضاع بإمكان الرئيس هادي استدعاء اي دعم عسكري جوي اقليمي ، وستكون القدرة على الوقوف تجاهه واهية ,لكن خطره يكمن في عدم القدرة على وقف النار من السماء أو من الأرض ,حتى تدمر البلاد برمتها. وهو امر تتسارع فرصه مع ارتفاع التصعيدات العسكرية واجتماع مجلس الامن في الساعات القليلة القادمة.
إن التعامل بشكل غير شرعي وغير دستوري مع القوات الجوية واي جهة عسكرية اخرى عبر وزير داخلية او اي مسؤول امني معين في ضروف غير طبيعية او معين قسرا وعاجز عن حماية العاصمة من التفجيرات الارهابية ، هو أمر يزيد من فرص شيطنة اليمن وخوض مباراة صفرية لا منتصر فيها فقط لتسلم اليمن بناء عليها للأجندة الأجنبية بأدوات وأفعال محلية.
خلال السنوات الماضيية ، برر العالم الخارجي – الدول الغربية تحديدا- تدخلاتها العسكرية في اليمن ( بما في ذلك ضربات الطائرات من دون طيار) بحجة ان القوات اليمنية غير مؤهلة بمافيه الكفاية للقيام بعمليات ضد الارهابيين في مناطق مختلفة. وكالتزام طويل المدى بايقاف التدخل العسكري المباشر ، عملت دول اقليمية وغربية على مساعدة الجيش اليمني في الهيكلة ( التي توقفت في مرحلتها الثانية ولم تستكمل) كانسحاب تدريجي من المشهد الميداني اليمني. وكمثال على ذلك ، حاولت تدعيم القوات الجوية اليمنية وبناءها لقناعتها أنها إحدى الوحدات العسكرية القليلة الخاضعة لدرجة معينة من التأهيل والكفاءة ,إذ لا يمكن أن يكون المرء طيارا بالوساطة بل بالكفاءة . كما عملت على تعزيز هذه الوحدة العسكرية بالتحديد انطلاقا من هذا المعطى ، كونها جهة فنية أكثر من كونها خاضعة لتقسيمات سياسية .
ومنذ نشوب أول أزمة عسكرية ناتجة عن هيكلة الجيش ، المتمثلة في رفض قيادة القوات الجوية السابقة تسليمها وحدوث أول تدخل دولي لتنفيذ عملية التسليم ، عمل الداخل والخارج على محاولة تجنيب القوات الجوية الصراع السياسي الدائر في البلد. ولذلك كانت عرضة للكثير من الاستهدافات المتمثلة بإسقاط الطائرات وغيرها ، كونها الثقل العسكري الوحيد المرجح لكفة الدولة ,لامتلاك باقي الأطراف المسلحة كل المعدات العسكرية بما في ذلك الدبابات. ومع ذلك مرت عملية هيكلتها بصمت وتمتعت بدعم عسكري غير مسبوق , وبذلك استطاعت بالحد الأدنى النجاة من خطر الاستقطابات السياسية والحزبية ، حتى امتلك الحوثيون زمام السلطة في العاصمة .
في الأسابيع الماضية ، ضغطت جماعة الحوثيين على قيادة القوات الجوية لرفع حالة الجاهزية والدخول بعمليات مباشرة تغطي حرب قادمة على مأرب وعدن. ومع رفض قيادة القوات الجوية تلك الأوامر ,فرضت الجماعة قيادات موالية لها لإقحام الجوية اليمنية بصراع خطير وإدخال البلد مستوى جديد من العنف السياسي حين دفعت طيارين بالترغيب والترهيب لقيادة طائراتهم لقصف عدن ,بما يعنيه هذا التصعيد العسكري الخطير ، وبما ينتجه من استمرار التصرفات الدافعة لإنهاء المؤسسات الرسمية للجيش اليمني.
اضطرت الجماعة لاحقا لدفع اسلحة شخصية واموال نقدية لطياريين للقيام بعمليات عدن ، بعد مواجهتها رفض تنفيذ اوامر متعدد وعدم خضوع باقي المعسكرات للمركز.
إن إقحام سلاح الجو في صراع داخلي ومن قبل سلطات غير معترف بها ,يبعث رسالة عالية الخطورة للخارج المتربص بالبلاد ,والذي يبعث عن هكذا رسائل بشدة لاستخدامها كمبرر لتدخله في الشأن اليمني عسكريا ,بعد كل الألغام التي وضعها ذراعه السياسي (جمال بنعمر) في طريق التسوية السياسية ,فهل تعي جماعة الحوثيين مقدار الخطر الذي تجلبه لليمن نتيجة هذه الأعمال .
البلد على شفا الهاوية ، وقرار انقاذها بالاساس محلي بحت ، وفي صنعاء تحديدا.
، تغامر الجماعة باستجلاب التدخل العسكري الدولي لليمن بما له من مآلات كارثية ، وقبل ذلك تفصح عن نفسها ليست حتى كجماعة تبحث عن السيطرة على السلطة بالقوة ( كون ذلك جنون يمكن التعامل معه) ، وإنما كميليشيا لا تستطيع العيش بوجود مؤسسات ، وتبرز الى السطح كأحد الأدوات التفكيكية الخطيرة لما تبقى من مؤسسات الدولة ، وتحويلها الى ميليشيا.