يتداول اليمنيون نكتة شهيرة مفادها انه وفي العام 1994 وبعيد الحرب الاهلية التي خسر فيها الجنوب الحرب عودة القبائل الشمالية المشاركة في الحرب من عدن محملة بالغنائم والاسلحة ، فان الحكومة اليمنية وضعت نقاطا للتفتيش عن هذه الاسلحة لمصادرتها. وفي احد هذه النقاط ، كان يقف جندياً مسلحا بكلاشنكوف – كأي جندي في العالم- يوقف سيارات المارة ليفتش عن السلاح. وفي لحظة ما ، مر احد العائدين الغانمين وهو يقود دبابة كغنيمة  اتى بها من ارض المعركة، وحينما وصل الى النقطة ، نظر الجندي نظرة الى الدبابة واخرى الى بندقيته – التي بدت لا شيء مقارنة بالدبابة التي يمتطيها من يفترض انه يخضع لسلطة الجندي- ، فلم يكن بوسعه سوى سؤال سائق الدبابة ان كان يحمل سلاح؟ فاجاب الرجل – وهو يمتطي الدبابة – ب”لا” فسمح له الجندي الاعزل بالمرور.

في هذه الايام ، قد تجد فجأة برميلا منتصبا في وسط الخط الرابط بين مدينتين يمنيتين وبجواره مسلحون قبليون يأمرونك بالتوقف بقوة السلاح وتتذكر فجأة أيضا أنك تجاوزت قبل دقائق فقط نقطة تفتيش عسكرية,بل قد يكون الفاصل بين النقطتين(القبلية و الرسمية) أحيانا أقل من كيلوا متر واحد.

الطرق بين وداخل المحافظات اليمنية  غير اعتيادية, فبإمكان أي كان عمل مطب في الطريق العام لمجرد لفت الانتباه لوجود محل البنشر خاصته,أو أن هناك من يبيع ثمار موسمية بالقرب,ولن يكون هناك أي تدخل من السلطات بالطبع فالمسألة غير هامة في نظرها مع أنها تؤدي إلى آلاف الحوادث كل عام.

المسألة الأشد خطرا وتنظيما بالطبع تتمثل في نقاط التفتيش وأحيانا التقطع التي يستحدثها مسلحون قبليون لأكثر من دافع,فقد يكون عملا إجراميا فرديا,وقد يتبناه تنظيم قبلي,أو فكري,وقد يكون بغرض النهب والتقطع للمسافرين ,وقد يكون لحماية الطريق أيضا,وقد يكون بدافع معرفة المنطقة التي ينتمي إليها المسافرون للتمكن من أخذ أبناء منطقة بذاتها كرهائن حتى يتم حل مسالة خلافية مع أحد أبناء هذه المنطقة,من باب الضغط عليها ,أو إحداث نوع من توازن النهب/الخطف وبالتالي تسهيل عملية التفاوض بين طرفي الصراع.

اصطلح اليمنيون على التفريق بين تسميتين للنقاط المسلحة التي تنتشر في الطرق العامة بين المدن,فالنقاط التي تهدف إلى النهب والقتل,هي نقطة(تقطع) أي قطاع طرق من المجرمين,أما النقطة التي تهدف إلى أخذ خصومها من أبناء منطقة بذاتها فهي (قطاع) ولا ترتقي لمرتبة إجرامية خطيرة كالأولى,كونها لا تقتل ولا تسلب الناس أشياءهم بالقوة,وإنما تأخذ رهائن (تخطف مواطنين بشكل مؤقت) أو سيارات للضغط على الخصم مع تأمين حياة الرهينة. لطالما اواجه مشكلة لغوية في شرح الفوارق بين هذه التسميات المختلفة بلغة اجنبية او لصديق ضيف من دولة اجنبية.

مطالب مختلفة:

تمر بنقطة الأمن الرسمية فيلقي الجندي نظرة عامة على السيارة ومن عليها ثم يشير بيده للسائق بمواصلة الطريق,وقد يقوم بالتفتيش بدرجات مختلفة تتراوح بين فتح أبواب السيارة الجانبية ,وحتى فتح حقائب المسافرين في حالات خاصة ونادرة.

خلال العامين الأخيرين لم يعد بإمكانك الثقة  تماما بكل زي عسكري يقف أمامك طالبا منك التوقف للتفتيش,فقد كشفت أجهزة الأمن أكثر من نقطة داخل المدن وعلى مخارجها ترتدي زي رجال الأمن وتحمل أسلحتهم لكنها في الحقيقة عصابة تقطع لنهب المسافرين ,ولم يكتشف الأمن هذه الابتكارات لرجال الجريمة إلى بعد تعدد بلاغات المواطنين الذين تعرضوا للنهب على أيدي هذه العصابات ,كما جرى في العاصمة صنعاء ,ومدينة تعز.

بطبيعة الحال السلاح منتشر بكثافة في اليمن ولا يمثل الحصول عليه أي مشكلة لمن يملك من المال ما يوازي ألف دولار أو حتى أقل من ذلك, ومع ضعف الأجهزة الأمنية مهاراتيا وتقنيا فإن المسألة تتضاعف ,وتمزج بين الجريمة المجردة والجريمة السياسية.

بينما لا تطلب منك النقاط الأمنية هويتك الشخصية إلا في حالات قليلة,فعند مصادفتك نقطة (قطاع) من المسلحين القبائل تصبح هويتك طوق نجاتك الوحيد من الخطف المؤقت على الأقل او التأخير,لأنها من تحدد المنطقة التي تنتمي إليها ,وبالتالي تفصل في أمر إن كنت خصما مطلوبا من القبيلة العدوة,أم مواطنا عاديا لا علاقة لك بمشاكل هؤلاء المسلحين.

النوع الاخر من هذه النقاط(التقطع) الهادف إلى الجريمة بذاتها نهبا أو قتلا,هي الأخطر على الإطلاق وهي بعكس (القطاع) لا تجازف بالاقتراب من النقاط الأمنية وتمارس نشاطها ليلا في الأغلب,لكنها بالمقابل نادرة وعادة لا  يقوم رجال الأمن بالبحث عن هكذا نقاط بدافع ذاتي ,ولا يكتشف الأمر إلا بعد حدوث عدة جرائم,ومن حسن الحظ أنها أيضا أقل أنواع النقاط المنتشرة على خطوط السفر ,وهي لا تعطي اهتماما لهويتك بل لحجم أموالك  ، وهو امر نادر اصلا ان يسافر اليمنيين الاثرياء كأي مواطن عادي.

نقاط “نحن هنا”:

في محافظات شمال الشمال (صعدة,عمران,حجة ، صنعاء) هناك نوع آخر من النقاط المسلحة غير الرسمية بأعلامها المدون عليها شعارها الخاص ,هذه النقاط في الأغلب تتبع “الحوثيين” ,وتسمى محليا “المجاهدون” بغض النظر عن موضوع الجهاد أو دافعه ,لكن هؤلاء سيتعاملون معك بلطف وبشاشة إن كنت من خارج المنطقة , وتنتشر نقاط مشابهة لخصومها من القبائل ايضا ، ولكنهم جميعا يبحثون عن بعض اكثر مما يبحثون عن اي شيئ / شخص اخر.

أحيانا قد تقوم بحسن نية بالإبلاغ عن نقطة (قطاع) لمسلحين قبليين لدى النقطة العسكرية الأقرب إليهم,سيقوم الجنود الذين أبلغتهم بالأمر بشرح الموضوع بتفاصيله ,ومن هو الشيخ الذي يتبعه هؤلاء,وقضيتهم مع المنطقة التي يبحثون عن أبنائها,وسيشكرون اهتمامك بالأمر,ثم يتابعون تفتيش المسافرين أو السماح لهم بالمرور باتجاه القطاع القبلي دون أدنى تنبيه لهم,بما ينتظرهم بعد مسافة قصيرة.

ترفع هذه النقاط غالبا بعد وساطات قبلية لحل الخلاف بين المنطقتين (قبيلة الخاطفين والمخطوفين من الطرقات العامة) ,أما الدولة فتكتفي بالصمت ,أو تأييد الحل,وأحيانا قليلة تقوم بالتدخل الفعلي,كما جرى في محافظة صنعاء بالتنسيق بين قيادة المحافظة وبعض الوحدات العسكرية لملاحقة المتقطعين. ولذلك ان كنت مشتركاً في خدمة اخبارية حكومية عبر هاتفك النقال ، فان احد اكثر الرسائل تكررا التي ستصلك كخبر هي “وحدات امنية تنهي تقطعاً قبلياً ، تحرير قاطرات غاز احتجزتها نقاط قبائل ” ولا تجد الدولة حرجاً في تقديم هذه الاخبار كمجزات امنية لها على الاطلاق.

هذه الظواهر اليمنية بشكل حصري ليست حديثة كليا,فهي ممتدة كإرث خلفته الحروب المحلية المتعددة خلال نصف القرن الأخير,لكنها تضاعفت خلال العامين الأخيرين بفعل ضعف قبضة الدولة,وبدوافع بعض السياسيين والنافذين لإضعافها,أي أنها سبب ونتيجة لضعف الدولة في الوقت ذاته ,خاصة مع الصفقات المريبة لتهريب السلاح إلى اليمن ,وضرورة اختراق نقاط الأمن من قبل المهربين ,والتنسيق معها لتمرير الأسلحة إلى الداخل صوب هدفها, فتداخل الملفات الراهنة في البلاد يخلط كل أمر واضح بآخر غامض, فالسياسة والتهريب ,والتفتيش والتقطع,والأمن والنافذين,والاقتصاد برغبات كل هؤلاء مجتمعين.

في بعض الطرقات الطويلة ، لابد أن تأخذ في الحسبان حاجتك على الأقل لإضافة مايقارب ثلث وقت السفر بين مدينتين يمنيتين ستهدر في نقاط التفتيش والقطاعات القبلية,والباقي يقدم هدية مجانية لصانعي المطبات الاسمنتية والترابية, وهدية مدفوعة لورش إصلاح السيارات على جانبي الطريق.

وبالرغم من تعدد هذه النقاط وتنوعها اينما وجدت ، الا ان ثمة سلوكاً واحدا تمارسه جميعاً بلا استثناء، فسواء كانت تابعة لرجال الامن ام القبائل الا انها في الغالب لا توقف ولا تفتش اي سيارة فيها انثى.

 في السفر اليمني، وجود المرأة في السيارة هو جواز دبلوماسي للمرور  سريعا من هذه النقاط دون الحاجة الى التوقف لتفحص هويتك او سيارتك.  للامر علاقة بالعادات التقليدية اليمنية التي تعيب ايقاف النساء او اي من يرافقهن .

العادات والتقاليد في اليمن لا تفارقك حتى في نقاط التفتيش الغير لطيفة ابداً.

Al-Monitor نشر هذا المقال في 

10