المعروفة والتي يتشارك بها معظم المسلمين. في اليمن تتغير أوقات الدوام الرسمي، ويتم اختصارها إلى 5 ساعات فقط، كما أن الليل هو الوقت الذي يلتقي فيه الناس في اجتماعات عامة، بدلاً من النهار.
ولرمضان في اليمن وجباته الخاصة التي لا تقدم خلال العام كالـ”شفوت” و”السمبوسة”، ويتمتع الفقراء في هذا الشهر بعناية خاصة من قبل الأغنياء، أو من قبل جمعيات خيرية تنشط بشكل استثنائي لمساعدتهم، علماً أن عدداً كبيراً منها تحول إلى أدوات سياسية لكسب الفقراء لصالح الأحزاب التي “تهتم بهم”.
في شهر يبلغ النشاط الاجتماعي ذروته وقت أذان المغرب، ينتشر الشباب في الطرقات لمنح السائقين الذين لم يبلغوا منازلهم بعد، وجبة إفطار تتكون من عدة تمرات وقنينة ماء أو عصير، يقوم بعض الأثرياء من التجار بتوفيرها.
صيام بنكهة الصراعات
يختلف موعد بدء رمضان بين الدول الإسلامية غالبا، حيث تتقدم بعضها بفارق يوم عن الأخرى، علماً بأن علم الفلك قد حدد موعده لآلاف السنين، لكن المسلمين يختارون الاعتماد على رؤية الهلال (القمر يوم ولادته) بالعين، وما لم يتمكن المكلفون بذلك من رؤيته نتيجة ظروف الطقس فيؤجلون الصيام يوما آخر. إلا أن السنين الأخيرة لم تعد تعتمد على هذه الرؤية فقط، بل أصبحت الصراعات مع الدول الأخرى تؤثر حتى على موعد بدء الصيام. كانت إيران وليبيا مثلاً تصومان قبل السعودية بيوم، وكانت اليمن تتبع دوماً السعودية لارتباطات سياسية وليست دينية.
هذه السنة كانت المرة الأولى التي تختلف اليمن مع السعودية لتصوم قبلها بيوم. وقال أحد الكتاب اليمنيين ساخراً أن “الأول من رمضان هو اليوم الوطني للاستقلال”، أي أن اليمن تحررت من التبعية للمملكة. أكبر وأشهر جمعيتين خيريتين مسيّستان بشكل كامل. الاولى تتبع لحزب المؤتمر (بطريقة غير مباشرة، من خلال الإدارة والإشراف لكن خارج الهيكل التنظيمي) فتوزع “مؤسسة الصالح” التي تدار بإشراف مباشر من نجل الرئيس السابق علي عبد الله صالح مساعداتها على الموالين لحزب المؤتمر.
أما جمعية “الإصلاح الخيرية” فيديرها أشخاص ينتمون لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) وتوزع مساعداتها أيضا على أنصار الحزب. وقد ظهرت مؤخرا جمعيات أصغر تتبع للحوثيين، وهناك جمعيات تتبع للسلفيين أيضا لكنها أكثر قربا للعمل الخيري من السياسي. ولأن نشاط هذه الجمعيات يبلغ ذروته في رمضان، يتحول شهر الصيام إلى شهر استقطاب الفقراء، وكلما كان شهر رمضان قريباً من الموسم الانتخابي يزداد العطف على الفقراء.
السياسة الطبق الرئيسي في ولائم الإفطار
مؤخرا دخلت الولائم السياسية على الخط، وبدأت هذه العادة تتخذ طابعا استقطابيا ودعائيا مع ارتفاع حدة الانقسامات السياسية والطائفية في البلاد هذا العام. أما الظاهرة الأكثر جدة وخطورة فهي الصراع على المساجد عن طريق تعيين أئمتها وخطبائها بين الأحزاب والحركات الدينية، كالإصلاح والحوثيين.
ووصل الصراع إلى درجة سقوط قتلى بين الطرفين على أحد المساجد القريبة من جامعة صنعاء. الإصلاح يدعمون إقامة الصلوات الليلية في رمضان التي تتخللها مواعظ دينية يتهمها الحوثيون بتوظيفها لخدمة أهدافه السياسية، ويقفون ضدها باعتبارها “بدعة” مخالفة للسنة.
وبالمقابل يوجه مواطنون انتقاداتهم للحوثيين ويتهمونهم بمنع سكان مدينة عمران من إقامة هذه الصلوات بعد سيطرتهم عليها في الثامن من تموز/يوليو الجاري.
هكذا يتحول شهر رمضان من شهر ديني تعبدي إلى شهر لاستقطاب المجتمع سياسياً وطائفيا.
رمضان يبقى رمضاناً
لا يعني كل ذلك أن رمضان فقد روائح الـ”شفوت” و”السمبوسة”، كأهم طبقين من النادر تذوقهما في أي مكان آخر في العالم، أو أن هناك عزوف عن الحلويات والعصائر المختلفة… التي تتسبب بمشاكل صحية للصائمين تتعلق بصعوبات الهضم وبالتسبب بزيادة الوزن، مما يمثل مخالفة للتعليم الديني الذي يهدف إلى تهذيب أتباعه وترويضهم على الصبر والتعاون، وليس الاستهلاك المرتفع للغذاء والألبسة أيضا استعدادا للعيد الذي يلي رمضان مباشرة، وهذا الأمر ليس حكرا على اليمن، إلا أن الفقر يزداد فيه أكثر من باقي الشهور، على الرغم مما يحصل عليه الفقراء من عون ومساعدات. وقد كانت حرب عمران الحدث الأبرز المتزامن مع رمضان، وهي أدت إلى نزوح ما بين 35 و40 ألف شخص، وكثر آخرون يعيشون وضعا إنسانيا سيئا للغاية نتيجة عجز الحكومة عن إيوائهم.