في العام 2013، حين أدلى بشهادته أمام الكونجرس الأمريكي حول ضربات “الدرونز” في بلاده، والتي يدفع ثمنها المدنيّون الأبرياء، لفت أنظار العالم لكونه أوّل عربي وأصغر من أدلى بشهادة أمام ذلك الصرح. وفي 2013 أيضاً، اختارته مجلّة “فورين بوليسي” ضمن قائمتها السنوية لأهمّ 100 شخصية في العالم، ليتربّع، في العام التالي، على رأس قائمة صحيفة “الجارديان” البريطانية لأهمّ الصحافيّين الشباب في الإعلام الإلكتروني في العالم. ومؤخّراً، وفي نقلة نوعية، اختاره الأمين العام للأمم المتّحدة ضمن هيئة استشارية لمتابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2250، بخصوص الأمن والشباب في العالم. حاليّا،ً هو مسؤول ملفّ اليمن و الخليج في معهد “كارنيغي الشرق الأوسط” في بيروت، وهو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، ومؤسّس مشارك في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية. فارع المسلمي، القادم من وصاب البعيدة والمرتفعة، والمتشبّع بأدوات المعرفة البحثية، يقدّم، في حوار مع “العربي”، رؤيته حول الصراع الراهن في اليمن والمنطقة، موصّفاً الحاضر ومحاولاً استشراف المستقبل، بعدسة الكاتب والباحث والناشط “الشغوف” بالشأن العام، كما يصف نفسه.
ما هي قراءتك للمشهد السياسي اليمني اليوم، بشكل عام؟
المنطقة، واليمن من ضمنها، تمرّ بواحدة من أكثر اللحظات اشتعالاً في التاريخ، مزيج من حروب أهلية وإقليمية وإقليمية بالوكالة، وهي ربّما المرّة الأولى في تاريخ العرب التي تحدث فيها هذه الكمّية من الخرائب والحروب المتداخلة مجتمعة. في جزء منها، هي نتيجة لعجز في التقدّم إلى الأمام، سواء على المستوى السياسي أو الإجتماعي، ونتيجة عدم قدرة هذا الجيل، في هذه اللحظة في تاريخ المنطقة، على صياغة مستقبله، أو الإتّفاق على أسس للمستقبل. هناك جزء متعلّق بفشل أجهزة الدولة، وفشل آخر في ديمومة شكل الدول والمجتمعات الذي قُدّمت عليه قبل مائة عام في “سايكس-بيكو”، إضافة إلى أزمات ديموغرافية و أزمات موارد خاصّة الماء، التي ستشكّل لاحقاً أكبر خطر يواجه المنطقة. ما يجري في الواقع بالغ الخطورة ليس على الحاضر بل على المستقبل، لأنّه صراع من أجل السيطرة على المستقبل بأدوات ماضوية، توقّفت الدعوة للحياة مقابل تصاعد الدعوة للموت، توقّفت الدعوة للدولة المدنية لصالح دعوات ضيّقة وطائفية تعيد تعريف اليمني بشكل غير مسبوق، وهذا أخطر ربّما من الحرب الراهنة ذاتها.
البعض يقول إنّها مرحلة تاريخية ولا بدّ لها أن تمرّ؟
ليست مجرّد مرحلة، الخطر الذي تواجهه المنطقة اليوم هو خطر وجود وليس فقط خطر حدود، أو فقدان مصالح. هناك أزمات سياسية، وديمغرافية، أزمة بطالة، حروب، نزاعات ومزيج من الفشل الجمعي والفردي والتيه الفردي والمعرفي والفكري والسياسي. وبالنسبة لليمن تحديداً، فهو اليوم يدفع ثمن عدم السماح للثورة الشعبية بالنجاح الحقيقي وعدم السماح للمجتمع بالوصول إلى تطلّعاته وصياغة معادلة جديدة لطبيعة علاقة الحاكم بالشعب، وطبيعة دور الدولة والفرد في هذا البلد. اليوم، بعد 2011 وبعد المبادرة الخليجية، وبعد انقلاب الحوثيّين وصالح عسكريّاً وسيطرتهم على السلطة، بعد كلّ هذا وقبله وخلاله فشل اليمنيّون في صياغة معادلات هوية ومعادلات شراكة وعقد اجتماعي جديد. إذا استطاعوا صياغته فسيتم حلّ جزء أساسي من هذه المشاكل. على أن أيّ مشروع لأيّ أحد بأيّ شكل يحاول العودة باليمن إلى ما قبل 2011 هو مشروع فاشل، ويؤدّي فقط إلى اقتتال كما هو حاصل اليوم، هذه مراحل ممتلئة بالأخطاء، والأخطاء قد تمرّ، لكنّها جسر إلى أخطاء أخرى إن لم يتمّ معالجة جوهر القضايا والمشكلات.
ما هو الحلّ لهذه الأزمة إذاً؟
اليمن جزء من المعادلة الإقليمية، لكن صراعه لحسن الحظّ، إلى حدّ كبير، لا يزال محلّيّاً في كثير من أشكاله، بالرغم من الأدوار الإقليمية والدولية المتوغّلة فيه، لكنّه في وضع يصعب معه التنجيم. طريقة تعامل المجتمع الدولي والأمم المتّحدة، وقبل ذلك الخليج، وفي الميدان الحوثيّين وصالح، في المرحلة القادمة مع الملفّ اليمني، ستؤثّر أو ستغيّر المعادلة سواء باستدامة للحرب الدائرة، وهو ما تدلّ عليه الأحداث الأخيرة خاصّة مع انهيار الهدنة ونقل البنك المركزي، أو الإتّفاق بخصوص التوصّل لسلام حقيقي. وعلى أيّ حال، إذا لم يتمّ ذلك قبل صعود إدارة أمريكية جديدة، فهو لن يحصل في أيّ وقت قريب للأسف، وسيستمرّ اليمنيّون في حروب متفاقمة لفترة طويلة. الحروب للأسف تحدث في لحظات ما من تاريخ أغلب الشعوب، لكن الخطر والعامل الأسوأ هذه المرّة هو السياق الذي تُقدّم به هذه الحرب، ذلك أنّه من الممكن أن نتحدّث عن الحروب في التاريخ كإجراء اضطراري، وفاصل مؤقّت كنتيجة لفشل الدبلوماسية، كفشل للإدارة، أو كخيار لا مفرّ منه لوضع حدّ لجنون البعض، لكن أن يتمّ الحديث عنه بنفس مدائحي، تمجيدي، هو أخطر ما قد يصاب به المجتمع، لأنّها تستدرجه نحو القتال كخيار وحيد دون أن تعطيه أيّ نتيجة، وذلك يؤسّس لاحقاً لثقافة تمقت السلم، وتعتبر أيّ وسيلة دون الحرب لتحصيل النتائج أو الدفاع عن مصلحة، وسائل فاشلة ومملّة وغير عملية، هذه اللغة في حقيقة الأمر أخطر من الحرب ذاتها. هل يعقل مثلاً أن الأحزاب السياسية في اليمن بعد عقود من الجمهورية والعمل السياسي والحزبي لا تقدّم لشبابها أيّ خيارات سوى الغطاء الأيديولوجي لاستخدامهم في الحروب؟ هل يعقل ذلك؟ ألا يجب أن تُساءل الأحزاب عن كلّ هذه الضحالة وانعدام الخيارات وتسليح السياسة؟ والمستخدمون لهذه اللغة يدركون ذلك، ويعلمون أن حروبهم ليست محمودة ولا ممجّدة، لكنّهم وجدوا أنّها الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم لحشد المجتمع، وهو سلوك كارثي إجمالاً. أنت تعرفين أن الخيار الوظيفي الوحيد الموجود حالياًّ لشباب اليمن هو القتال، وهذا يساعد في استخدامهم أكثر.
ألم تُمجّد كلّ الحروب في تاريخنا، وتراثنا، وثقافتنا؟ ألم يُنقل إلينا بأن الحروب والثورات هي ما حقّقت منجزاتنا؟
الثورة ليست في نفس سياق الحرب، هذا خلط للأمرين. إنّما انظري إلى الحركات القومية حتّى المسلحة في المنطقة العربية حينما كانت سليمة وسويّة في سلوكها وغاياتها، بحثاً عن التحرّر من الإستعمار، حقّقت أهدافاً سليمة وسياقات ممكنة، وإن تحوّلت لاحقاً لأدوات استعمار داخلية لأسباب كثيرة. وفي كلّ حال، لم تؤدّ تلك العمليّات النضالية لصنع شروخ اجتماعية كما يجري اليوم، وإن كان هناك انقسام في طبيعة المصالح، هو أن من شكّلها كانوا هم أقلّيّاتها بدون الإستعانة والإستقواء بالخارج، ولنأخذ مثلاً انطلاق الفكر العلماني وحتّى القومي في لبنان من خلال مسيحيّيه، ومواجهة عراق الثلاثينات بأقلّيّته اليهودية للإستعمار البريطاني، وقيادة البلد بهوية وطنية مستقلّة. حينما تنطلق الأقلّيّات من هويّاتها المحلّية تستطيع أن تتمدّد، وأن تبني هويّة جامعة آمنة لكلّ الناس ولنفسها، ولكن ما دام هناك أجندة لأنظمة قمعية واحتيالية فكلّ الأقلّيّات العرقية أو الدينية أو الإثنية ستبحث عن ارتباطات خارجية، خصوصاً إذا فقدت عروة الدولة الوثقى، التي تجمع وتحتوي الكلّ.
من نتائج الحروب، غير أنّها لا تستند لمبرّرات أخلاقية وواقعية، أنّها تخلق ولاءات غير وطنية، وذات امتدادات خارجية بشكل كبير. والمشكلة الأكبر هي أنّه، في 2016، فعّالية العنف بالشكل الذي كان ممكناً ضدّ الاستعمار قبل ستين عاماً مثلاً، أصبحت غير فعّاليّته اليوم، لأن أسبابه المباشرة غير مرئية للعامّة، ولأن ظهور أدوات جديدة لخلق الرأي العام، وتأسيس أطر عمل مشترك كالإنترنت، قد غيّر معادلة العمل على الأرض، فبإمكان تسريب معيّن على الشبكة في لحظة أن يقتل أكثر من الآلة العسكرية المباشرة. نحن في مرحلة تتغيّر فيها حتّى عوامل القوّة بأشكال كثيرة أقلّها العنف، لكن من يجب أن يفسّر هذا الأمر و يعتذر لاستخدام أدوات كارثية بدلاً عنه، هم أولئك الذين يدعون إلى الحروب ويحاولون التطبيع معها. السياسة في نهاية المطاف هي تعبير عن مصالح الناس وانعكاس لها، بغضّ النظر عن من يعبّر أو يختطف هذا الخطاب، وأيّ عمل خارج إطار مصالح الناس، حتّى حينما لا يكون عنفاً، هو فاشل ومؤقّت في كلّ الأحوال، ومن النزاهة الأخلاقية على الأقلّ، وليس فقط السياسة، الإدراك أن مصالح الناس تقوم على أسس السلام، سلام حقيقي لا يشبه كل اتّفاقات السلام القسرية داخليّاً أو خارجيّاً خلال الأعوام الماضية.
اليمنيّون أنفسهم دون شكّ، لن ينهيها الخارج، ولن تنهيها الأمم المتّحدة، ربّما يشكّلون لليمنيّين عاملاً ميّسراً لكن لن ينهيها إلّا اليمنيّون أنفسهم. المشكلة هي أن اليمن للأسف بيئة منخفضة الثمن في نظر العالم، وفي نظر الإقليم، وذلك بفضل ساستها أوّلاً، لتجريب الأسلحة والأساطير السياسية، ولتجربة خوض مباريات صفرية، ولنقس ما تصرفه الدولة “س” أو “ص” من أطراف النزاع الإقليمي في المنطقة على سياسي واحد في لبنان، بما تصرفه على كلّ جماعاتها وحلفائها في اليمن مثلاً، لنتأكّد من مدى انخفاض ثمن اليمن في نظر الخارج. القضية أيضاً أنّه مع نشوب الحرب تنشأ دوائر اقتصادية قوية ومتينة تعمل على عدم إنهاء الحرب، لكن إدراك الواقع السياسي في اليمن، وتاريخ هذا البلد، وقدرته على تجاوز ما مرّ به في هذا التاريخ، هو كفيل بفرض معادلة جديدة خارجة عن الأطر التقليدية، وخلق مصالح لكلّ الأطراف الداخلية والخارجية مرتبطة بالسلام، مع أنّه حتّى الدولة لم تخلق لها مصالح مرتبطة بالسلام حتّى اليوم. لكن على كّل حال، ما مرّت به اليمن من حروب على مرّ التاريخ ليست بسيطة، ولا قليلة، ربّما 8 حروب كبرى، وأضعافها من المعارك التكتيكية خلال الـ25 سنة الماضية، ومن المفارقة اليمنية أن الخسائر دائماً تحدث كانهيارات مفاجئة قد تكون مناقضة تماماً لمعطياتها السابقة، وقد لا يخسر طرف معيّن حين يكون ضعيفاً أو بلا موارد بل في الواقع حينما يكون في أوج سيطرته ونفوذه وقوّته، وصالح على سبيل المثال نموذج حينما خسر السلطة في اليمن في 2011 إذ لم يكن ضعيفاً ولا بلا أسلحة و أموال، أو حتّى بلا أصدقاء كثر من “الرجل الأبيض”. بل خسرها حينها في أوج كلّ ذلك.
متى ما قرّر اليمنيّون إنهاء أزمتهم الراهنة ستنتهي، فقط ليقرّروا ذلك في أيّ وقت يشاؤون. لكنّنا للأسف قبل أن ينضب منه الماء، والسلام، نحن ينضب منّا الوقت، خصوصاً في القضايا المصيرية المتعلّقة بوجودنا، والتي تنتظرنا بعد الحرب، كأزمة الماء، الوقت ينضب من المنطقة برمّتها، ولم نكن يوماً جيّدين في إدارته. إن الوقت اللازم لإنهاء الحرب قد يكون اختياريّاً وسريعاً عند توفّر الإرادة والرغبة لدى أطراف الصراع، لكن إنهاء التداعيات الناتجة عن الحرب، والتراكمات الماضية من ضعف اقتصاد وأمن وتعليم وترابط مجتمعي وموارد، هذه تحتاج جهوداً حقيقية طويلة وصادقة وممنهجة. وعندما أقول متى يريدون، فالأمر ليس هكذا تماماً، وليس بهذه السهولة، لأن الإرتباطات الإقليمية أصبحت قيوداً على الإرادة المحلّية في جانب كبير منها، كما هي نوافذ نحو الدعم، هي قيود على اتّخاذ القرار، وبالتالي فإنهاء الحرب يحتاج أيضاً لوقف التدخّلات الإقليمية والدولية، ومعالجة تداعياته تقتضي بالضرورة تفعيل هذه التدخّلات ولكن بأدوات جديدة ومختلفة نوعيّاً، كإعادة توجيه الدعم المالي من السلاح إلى بناء المصانع والمدارس مثلاً.
في جزئية ما كما قلت سابقاً. وعلى أيّة حال، استمرار الحرب هو سحب البساط من تحت أقدام اليمنيّين، وستُسحب أكثر حتّى من يد الإقليم كلّما استمرّت أكثر. قد يحصل تحوّل إذا ما كان هناك تحرّك دولي جاد، لكن لماذا سيتحرّك المجتمع الدولي ما دام لا يخسر في الحرب سوى أبناء المنطقة، وخسارتهم هذه لم تصل بعد للمستوى الذي يهدّد مصالح المجتمع الدولي بالشكل الذي يُخشى عليها معه. بالنسبة لحرب اليمن، هي بالتأكيد أقلّ تعقيداً من سوريا، وأقلّ فوضوية من ليبيا، ورغم ارتفاع مستوى العنف إلّا أنّه لا يزال مركزيّاً يمكن التحكّم به والسيطرة عليه، والتعامل معه. المعطيات المحلّية للحرب يمكن تجاوزها بصفقات معيّنة لتحقيق توازن قوى، وتوزيع منافع معنوية ومادّية، لكن الحرب في معطياتها المرتبطة بما يجري في الإقليم كورقة ضغط يمكن استخدامها لحسم ملفّات أخرى مثلاً، سيكون من الصعب إيقافها، ما لم يجد اليمنيّون صيغة جديدة لعلاقات القوى المحلّية قائمة على الإعتراف بالآخر وحقّه في المشاركة (وليس الشراكة) بشكل أساسي.
جاء التعيين وفقاً للقرار (2250) الصادر في ديسمبر 2015، وهو قرار يُحسب للمجموعة العربية بقيادة الأردن التي تبنّته حينها. (2250) هو مهمّ من ناحية أنّه يمأسس لمشاركة للشباب بمستوى معيّن، واختيار الأمين العام للجنة الإستشارية كان في أغلبه مبنيّاً على الخلفية المهنية والشخصية للأعضاء، ليس حصص دول أو مناطق، ومن المفترض أن تنتهي مهمّة اللجنة في العام 2017.
اللجنة مكلّفة بمتابعة التقدّم المحرز في تنفيذ القرار وعرض النتائج على المجلس في ديسمبر 2017، والقرار يهدف أساساً إلى قوننة مشاركة الشباب في العالم ودعمه للدفع بعمليّات السلام والأمن إذا ما حاولنا تلخيصه.
ليس له علاقة بما يحدث الآن، إلّا في جزئية كون اليمن أحد بلدان الربيع العربي.
لا يتعلّق الأمر بدور في الشأن اليمني، فلا أشغل منصباً رسميّاً في بلدي، وصحيح هناك حرص في تشكيلة اللجنة الإستشارية على إشراك الدول التي تمرّ بنزاعات معيّنة كاليمن وسوريا وليبيا، وهذه الخلفية المباشرة لتعييني ضمن اللجنة، لكن سواء لحسنّ الحظ أو لسوء الحظ فإن الأمم المتّحدة تعمل عبر آليّات معينة، والدول بما فيها اليمن تستطيع الإستفادة من هذه الآليّات عبر هذه السياقات، ولكنّها غالباً لا تفعل. في هذا القرار تحديداً، هناك بنود يمكن لليمن أن تستفيد منها، الأوّل هو المشاركة في عمليّات حلّ النزاعات وتبنّي وجهة نظر الشباب فيها، الثانية وهي الأهمّ برأيي هي وضع حدّ لنموذج الإفلات من العقاب وسحب الحصانات ممّن يستخدم الشباب في النزاعات والحروب، وثالثاً وضع برامج اللاعسكرة وإعادة الطاقات المهدرة في الحروب إلى السلام، هذه هي ربّما أهمّ ثلاث نقاط من القرار التي يمكن لليمن أن تستفيد منها، خاصّة تلك المتعلّقة بملاحقة ومتابعة من يستخدم الشباب عسكريّاً ولأغراض قتالية.
مجدّداً عبر الآلية التي أشرنا لها أعلاه، لكن بنفس الوقت، شخصيّاً لا أحب فكرة تقسيم الناس وقولبة قضاياهم كجزئيّات منفصلة، بمعنى أن المشكلات التي أعانيها أنا كشاب على مستوى البلد -باستثناء بعض الأمور الخاصّة و الفروقات الفردية والزمنية- هي نفسها المشكلات التي عاناها ويعانيها أبي وجدي، من فقر وانعدام الأمن والكهرباء و و و، لأن المأساة التي تمرّ بها اليمن هي مشكلة 99 % من اليمنيّين. مشكلتنا في اليمن أنّنا لسنا دولة بعد، ليست لدينا أرضية مستقرّة لمعالجة مشكلاتنا من خلال مجموعات نُشرك بها الفئات المعنية، لازلنا حين نشرك الشباب نشركهم في الفساد، وحين نشرك المرأة فإنّنا نحاول تزيين مالا يزيّن، نحن أوّلاً بحاجة لوجود دولة، أرضية، أساس.
لا أعتقد أن هذا وصف دقيق بالرغم من أنّني أحبّ تصديقه. صحيح أنّني حاولت وأحاول عمل فارق ككثيرين غيري، ولكن لا أرى شخصيّاً في هذا الأمر أكثر من عملية رياضية بسيطة. في نهاية المطاف نحن في 2016، وصحيح أن العالم لا يزال يعمل بطريقة غير عادلة في أكثر أشكاله، ولا تزال تُكدّس الثروات والمعلومات مشكلة حقيقية، لكن بنفس الوقت أصبح الحصول على خدمات الإنترنت ومراجعه وموارده، أسهل في بعض الأماكن من الحصول على رغيف الخبز. بالأخير، لا يجب محاسبة أو تقييم أيّ شخص بعمر الـ30 مثلاً بنفس المعايير التي قُيّم بها شخص بعمر الثلاثين في العام 1990، وهكذا يجب أن يرتفع أو بالأدقّ يختلف سقف التوقّعات من شخص في نفس العمر في العام 2030. وعلى أيّة حال، لا يجب أن يكون مجرّد محاولة المرء القيام بواجبه الفردي والمجتمعي مصدراً للدهشة، بطريقة أخرى أرى أن ما قمت وأقوم به هو استغلال للفرص، بناء على بناء قدرات شخصية معيّنة، وهذا ما يجب أن يتحول إلى قاعدة، وليس استثناء للشباب اليمني في نظري.
اليمن على سبيل المثال بلد -للأسف الشديد- لم تُرو حكاياته، وبالتأكيد أن كلّ من يحاول أن يرويها سيُحدث فارقاً، المهمّ أن يرويها بالتزام حقيقي، للأسف قليل هم الذين يحاولون أن يعملوا لأجل اليمن ويحقّقوا نجاحاً، ولكن هناك كثيرين يعملون من أجل اليمن ولم تحن فرصة تحقيق تطلّعاتهم بعد. في نهاية المطاف، قدرة الكاتب أو المثقّف أو الناشط أو ما شئت من التوصيفات قد تكون محدودة، لكنّها مهمّة كونه يكتب أوّل نسخة من التاريخ بأكبر قدر ممكن من التجرّد والموضوعية، والبعد عن الإرتباط النفعي بالأطراف السياسية المتصارعة، وهذا بالطبع إذا ما افترضنا نظريّاً سويّته الأخلاقية من حيث المبدأ.
أنظري، أنا فعلاً لا أحبّ التفكير بالأمور بهذا الشكل، ولكن إن كنت مصرّة على فهمها بهذا الشكل، فإليك المعادلة التالية: في أيّ إنجاز هناك عملية ومنتج، إذا كنت مركّزاً على العملية فسيأتي المنتج، المباشر وغير المباشر، بلا شكّ، وإذا ظللت تركّز على المنتج، فلن يكون هناك عملية، وبالتالي لن يكون هناك أصلاً أيّ منتج. وهي معادلة تنعكس على كلّ شيء في الحياة على الصعيدين الشخصي و العام. في نهاية المطاف، أنا شغوف بالشأن العام، هذا واضح وسواء عبر الكتابة أو أشكال مختلفة. وإن لم تكن هذه هي السياسة والشغف العام، بمعنى التعبير عن مصالح الناس، بكلّ ما يحمله ذلك من تحقيق رضى ذاتي وإحساس معيّن ورصيد عام معيّن، ككاتب مثلاً، فما هي السياسة أو الكتابة إذاً؟ عن أخبار برجيت وأنجيلا جولي مثلاً؟