الأساسي (بين 6 – 14 عاما)، قرابة 2 مليون طفل منهم خارج قاعات التعليم.
ارتفعت معدلات الالتحاق الإجمالي بالتعليم العام إلى 85 في المئة تقريبا، لكن تقارير اليونسكو حول «التعليم للجميع» تقول إن اليمن لن تحقق أهداف الألفية في مجال التعليم التي تنتهي فترتها بعد عامين (2015) بل يتطلب الامر الصبر حتى عام 2025.

تبلغ نسبة الأمية القرائية حوالي 70 في المئة في الأرياف، وتصل في المدن إلى 38 في المئة، ويشكل سكان الريف 71 في المئة من مجمل السكان. كما تصل نسبة سوء التغذية عند الأطفال إلى 32 في المئة، ويقع 42 في المئة من السكان تحت خط الفقر، الذي يمثل واحدة من أسباب ضعف الالتحاق بالتعليم. كما يؤدي الزواج المبكر إلى تسرب الفتيات من التعليم، فنسبة الفتيات اللواتي يتزوجن تحت سن 15 عاما تبلغ 52 في المئة من المتزوجات.

مظاهر القصور

في العام 2007، شارك مجموعة من تلاميذ الصف الرابع للتعليم الأساسي من اليمن في اختبارات المرجعية الدولية للرياضيات والعلوم (TIMSS)، لكن 93 في المئة من المشاركين لم يصلوا حتى إلى نقطة «منخفض الأداء» في مؤشرات الاختبار الدولي. وكان واحدا من أسباب ذلك عدم مقدرتهم على قراءة أسئلة الاختبار. وعلى اعتبار أن المشاركين تم اختيارهم من التلاميذ المتميزين، فإن الصورة أكثر قتامة عند زملائهم من مستويات التحصيل الأدنى. وينسحب تلقائيا هذا المستوى المنخفض بشكل مخيف على مراحل التعليم الأعلى، سواء منها الثانوي أو الجامعي أو التعليم الفني. وهذه أولى ملامح نظام التعليم القائم في اليمن. ولكن الكارثة تبقى بعيدة عن إثارة اهتمام النخب السياسية.

وقد أشار تقرير أصدره البنك الدولي عن التعليم في اليمن عام 2010 إلى أن هناك افتقارا خطيرا إلى توافر موارد ومرافق أخرى للتعليم، فأقل من 10 في المئة من مدارس اليمن يوجد بها مكتبات، أغلبها غير مفعَّلة. وفي التعليم الجامعي، تبلغ نسبة أجهزة الحاسوب إلى عدد الطلاب فقط واحد الى أربعمئة، أي أن لكل 400 طالب جهاز حاسوب واحدا!

وعلى ذلك يخفضون الميزانية!

بالتزامن، انخفضت نسبة الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام للدولة من 21 في المئة عام 2002، إلى 14 في المئة فقط في 2007. ومع هذا كله، تغيب معايير قياس مستوى التحصيل العلمي للطلاب، كما تغيب معايير قياس أداء المعلمين.

لهذا بلغت معدلات البطالة في أوساط خريجي الجامعات من الشباب 54 في المئة، ونسبتها في أوساط الشباب بشكل عام 35 في المئة، أي أن البطالة في أوساط المتعلمين أكبر منها في أوساط غير المتعلمين، أو الأقل تعليما.

المعلّمون

أما واقع توزيع المعلِّمين ومستوى مؤهلاتهم فهو أشد بؤسا. فتلاميذ الصفوف الأولى، القاعدة التعليمية لجميع المراحل اللاحقة، والتي توكلها الدول المتقدمة للمعلمين الأكثر مهارة، يكلف بها في اليمن المعلمون الأدنى مهارة ومؤهلا، حيث أن 45 في المئة من معلمي الصفوف (1 – 6) لا يحملون حتى الشهادة الثانوية، و18 في المئة منهم بمؤهل ثانوي. وهناك فحسب 13,8 في المئة حاصلون على شهادة جامعية. وما بعد ذلك معلوم، كونه نتيجة تؤكدها المقدمات ولا تحتاج للتفاصيل.

إلى ذلك، فإن هؤلاء المعلمون يغيبون بنسبة 19 في المئة من أيام العام الدراسي، ما يؤكد ضعف وفساد الإدارة والرقابة معا، ليظهر وزير التربية والتعليم الجديد على وسائل الإعلام قبل أشهر ويؤكد وجود 40 الف معلم ومعلمة منقطعين عن العمل، ومستمرين رغم ذلك باستلام رواتبهم. ولم يوضح خطته لحل هذه المشكلة.

تعليم مفوت على كل المستويات

التعليم الفني ليس أفضل حالا. فقرابة 6000 معلم في هذا القطاع لا يمتلكون المهارات اللازمة لتدريب طلابهم، خاصة أن طبيعة التعليم الفني أكثر تجددا بحكم ارتباطها بسوق العمل، ومستجدات وتغيرات العلوم التقنية. وبالتالي فمخرجات هذا النوع من التعليم لا تلبي حتى حاجات سوق العمل المحلية. ويفتقر التعليم الفني للمرونة اللازمة لتدريب العمالة غير الماهرة كونه يكتفي بالتعليم الوظيفي لمرحلة عمرية معينة ولا يتجاوب مع احتياجات 4 ملايين عامل غير ماهر في السوق المحلي.

بدوره، ما زال التعليم العالي يقدم لطلابه ما يمكن اختصاره بتاريخ العلوم، حتى التطبيقية منها لافتقاره للمختبرات العلمية، وكون مناهجه يطغى عليها الجانب النظري. ويقاس مستوى تحصيل طلابه بالحفظ، أو ما يسمى بـ«التعليم البنكي» الذي يكتفي فيه الطالب بتخزين المعلومات وإعادتها كما هي في الاختبار التحريري الذي يحصل بموجبه على الشهادة الجامعية، وهي تدور في فلك آخر خارج تطبيقات الواقع العملي الذي سيخرجون إليه.

البيئة التعليمية

منذ 13 عاما وطلاب التعليم يدرسون منهجا تجريبيا تم إقراره في 2001، يفترض أنه يتميز بالمزاوجة بين الجانب التطبيقي والجانب النظري، وبأنه يغلب نقاش المجموعات والاستنباط للمعلومة. لكن مميزات المنهج على أرض الواقع تحولت إلى معيقات وعامل فشل، حيث أن البيئة التعليمية غير مؤهلة لتطبيق المنهج. فنسبة المعامل والمختبرات في المدارس اليمنية لا تزيد عن نسبة من يأكلون الكافيار في البلد.

في المقابل، فإن نظام التعلم بالنقاش والاستنباط يحتاج إلى أن لا يتجاوز معدل عدد التلاميذ في الصف 32 تلميذاً، وإلى معلم مؤهل وملم بالمنهج. لكن الكثير من صفوف أو فصول المدارس الحكومية، خاصة في المدن، يصل عدد تلاميذها إلى 90 – 100 تلميذ/ تلميذة في الفصل الواحد. وإن وجدت صفوف بمعدلات كثافة أقل، أتى دور المعلم غير الملم بالمنهج، والذي لم يحصل على نسخة من دليل المعلم للمنهج، الذي يطبع فقط للأرشفة كما يبدو. أي أن 50 في المئة من المنهج في الجانب التطبيقي غير مفعل. والنسبة الباقية، النظرية، تخضع لقدرات المعلم.

لا تستطيع الوزارة بالطبع تغيير البيئة التعليمية، فذلك صعب للغاية، ويحتاج لعقود. لكن الأسهل الذي لم تقم به هو تعديل المنهج ليتوافق مع البيئة، بل هي لم تكلف نفسها تعديل الأخطاء العلمية واللغوية للمنهج.

صحيح أن مخرجات التعليم العالي هي امتداد منطقي لمخرجات التعليم العام، ولكنه يضيف على ذلك بَصْمَتَهُ الخاصةَ، الفادحة. فكلية التربية تطلب أدنى معدل ثانوية عامة للملتحق بها، ولا ينافسها إلا كليتي الآداب والزراعة، بينما يفترض بها أن تكون موازية لكليات الطب والهندسة. ومع وضعنا في الاعتبار أن كثيرا من طلاب الثانوية العامة يلجأون للغش في اختباراتهم كواحدة من أبرز الظواهر السلبية للتعليم في اليمن، تستمر الدورة القاتلة: طالب ذو مستوى متدنٍّ يتحوّل إلى معلم بالمستوى نفسه، يستنسخ مستواه في آلاف الطلاب الذين يقع مصيرهم تحت طائلة عقليته ذاتها.

السياسة والتعليم

رغم معطيات الواقع التعليمي المرعبة في اليمن، فإن التعليم يقع في أدنى سلّم اهتمامات الأحزاب السياسية التي تكثف من نقدها لأداء السلطة في هذا المجال. وحدهما حزبا المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم في عهد الرئيس السابق صالح) والتجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) يؤثران ويتصارعان في واقع التعليم، بشكل مباشر. والغريب أن كلا منهما يدعو لتحريم الحزبية في التعليم.

يتنافس الحزبان باختصار على قرابة 240 ألف صوت انتخابي، يمكن توجيه بوصلتها باتجاه انتماء الوزير الحزبي، ولا يمثل التعليم لهما عمليا أكثر من استقطاب المزيد من الأعضاء من المعلمين ترغيبا وترهيبا.

في مرحلة الشراكة الأولى في الحكومة للحزبين مطلع التسعينيات، وبعد طرد السعودية لقرابة مليون مغترب يمني من أراضيها على خلفية موقف اليمن من غزو العراق للكويت، وإيقاف السعودية والكويت تمويلهما لرواتب المعلمين العرب العاملين في اليمن، وعجز الحكومة اليمنية عن تغطية النقص في المعلمين… تفتقت العقلية السياسية للإصلاح بما سمي حينها بـ«نظام المعادلة»، بعد عملية التوظيف العشوائي لكل من هب ودب في سلك التدريس.

يقوم نظام المعادلة على اختبار كل من يستطيع (وليس يجيد) القراءة والكتابة في مهارتين، ثم يمنح شهادة تعادل الشهادة الثانوية، ومباشرة يتم توظيفه معلما في التربية والتعليم. وأكثر من وظّف بهذا الاسلوب كان من كوادر حزب الإصلاح أو من المقربين منه، بينما صمت حزب المؤتمر، مقابل ما بدا من وقوف الإصلاح معه ضد الحزب الاشتراكي اليمني، الخصم المشترك لهما في 1994.

في مرحلة الشراكة الثانية (حاليا)، فاز بحقيبة التربية حزب الإصلاح (أتت في قائمة وزارات القوى الثورية بعد ثورة الشباب في 2011)، وبعد خروجه منها بـ14 عاما تقريبا. وكان أول القرارات الملموسة للوزير استبدال مدراء العمومي من حزب المؤتمر في التربية بمدراء من حزبه (الإصلاح). والمرحلة الثانية تمثلت في تقاسم مدراء ووكلاء المدارس بين الحزبين بعيدا عن المؤهلات وشروط التعيين، وعن التنظير الباذخ بالوطنية والمعايير المهنية، ودولة المؤسسات.

الوزير الحالي (وهو أول وزير يحمل درجة الدكتوراه في التربية، فمن سبقه كانوا سياسيين، ولو حمل كثير منهم درجة الدكتوراه ففي مجالات أخرى)، يعمل حاليا على وضع سياسة جديدة للتعليم. وبمجرد المرور العابر على مفرداتها يمكنك الجزم بأنها حشو وتوليف من سياسات أخرى منقولة وغير منقحة.

كما يمكنك أيضا اكتشاف حشر الجانب الديني وتكثيف حضوره بشكل لا يخدم الدين أكثر من خدمة الحزب الديني، وليذهب التلاميذ إلى جحيم السياسة كيفما اتفق. على انه في المقابل اتخذ الوزير اكثر الخطوات جرأة وعملية في محاربة الغش في شهادة الثانوية، بما لم يقم به وزير من قبله لمحاربة هذه الظاهرة الكارثية.

الخلاصة

صانعو ومنفذو السياسة التعليمية اليوم هم نتاج السياسة التعليمية السابقة، وان السياسة التعليمية الحالية ستصنع ساسة الغد وقياداته الذين سيرسمون ملامح البلاد ومستقبل العباد بالآلية نفسها والعقلية نفسها، وفقا للقاعدة الفقهية «ما بني على باطل فهو باطل»! والنتيجة أن التعليم هو فعلا حقل طوارئ لم يعلن بعد.

نشر هذا المقال في السفير العربي