على نحو مفاجئ وغير مسبوق تصاعدت حدة الصراع بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبدالله صالح, وكانت أبرز وآخر مظاهر هذا الصراع قيام قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي بمهاجمة ونهب معدات قناة اليمن اليوم التابعة لصالح ، وبعد ذلك قيامها لخمسة ايام بحصار أكبر جوامع صنعاء(جامع الصالح) الذي بناه الرئيس السابق وأطلق عليه اسمه ولطالما استخدمه كمنبر للحشد السياسي الديني. وخلال الأيام الماضية ، شوهدت الدبابات والاليات العسكرية والجنود تحيط بالمسجد وتغلق الطرق المؤدية إليه ، كما وشوهد العشرات من رجال القبائل وهم ملثمون ومدججون بالأسلحة الثقيلة والخفيفة في الشوارع المحيطة وأماكن مختلفة من العاصمة. وانتهت ازمة المسجد بعد قرابةا سبوع باتفاق بين الرجلين يقضي باداج وحدة من الحماية الرئاسية التابعة للرئيس هادي اضافة الى حراسة الجامع التابعة لصالح وعدم استخدام منبره للتحريض ضد الرئيس هادي. وبالرغم من الهدوء النسبي الذي شهدته المنطقة المجاورة بعد الاتفاق وفتح الطرقات ، الا انه – كالعادة فان وقف اطلاق النار ( التهدئة في هذه الحالة) لا يعني بالضرورة احلال السلام ، كون الازمة بين الرجلين لا تزال متصاعدة ومتفاقمة.
اشتعلت الأزمة في الــ11 من يونيو الجاري حينما عمت شوارع العاصمة مظاهرات غاضبة قامت بقطع الشوارع وإحراق الإطارات,احتجاجا على عدم توفر المشتقات النفطية ووصول طول بعض الطوابير في محطات الوقود الى أكثر من كيلو متر, وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 20 ساعة يومياً ،عن العاصمة ومدن أخرى.
ووصلت عملية قطع الشوارع وحرق الاطارات إلى أمتار قليلة من منزل الرئيس هادي ، الذي يمارس منه مهامه ونادراً ما يغادره الى دار الرئاسة .
وأصابت المظاهرات السلطات الحكومية بالفزع الشديد مما دفع الرئيس هادي إلى إجراء تعديل حكومي شمل خمس وزارات منها المالية والنفط والكهرباء. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ اليمن الذي يتم فيه تعديل حكومي في وسط النهار بعد أن درجت العادة على أن لا يتم أي تعديل حكومي حتى التاسعة مساءً في نشرة الأخبار الرسمية.
وخلال المظاهرات رفع بعض المحتجين صور الرئيس السابق معبرين عن حنينهم لعهده مقارنة بالأوضاع في عهد خليفته وهو أمر أثار حفيظة الرئيس هادي وفاقم التوتر المتنامي بين الرجلين ، واتهم الرئيس هادي سلفه بالتخطيط للمظاهرات واستغلال حاجة المواطنين لخلق فوضى سياسية في البلد.
ومع ذلك وبالرغم من ارتفاع نسبة موضة النستالجيا في الشارع اليمني مؤخراً ومع عدم اختلاف اثنين على رغبة صالح في افشال هادي ، فإنه من الصعب التصديق أن دوره كان أكثر من مجرد تسخير هذا الغضب الشعبي الشرعي العارم من أداء الحكومة الانتقالية والرئيس هادي. بمعنى آخر لا يحتاج أي أحد لبذل أي مجهود لإثارة الغضب اليمني من السلطة الانتقالية أخذاً بعين الاعتبار فشلها الذريع في أداء مهامها وتوفير الخدمات الاساسية . وبناء على ذلك ، فإن رغبة صالح في عرقلة السلطات الانتقالية ، هي غير ذات جدوى إن لم تكن ضمن سوء أداء الرئيس هادي والحكومة الانتقالية.
و”اليمن اليوم” التي هاجمتها قوات الحماية الرئاسية هي الوسيلة الأقوى التي يمتلكها صالح في ايصال رسائله السياسية والتسفيه من مرحلة مابعد تسليمه للسلطة ومن قادتها، كما وأعادت تقديم نجله أحمد الذي كان يعده خلفا له قبل أن تطيح بالأول ثورة 2011 ، وقبل أن يعزل الرئيس هادي نجل صالح من قيادة قوات النخبة في الجيش اليمني – الحرس الجمهوري- ، منهيا بذلك قبضة حديدية لصالح على مفاصل الجيش.
وبالرغم من عدم اخفاء “اليمن اليوم” لخطها التحريري المناهض لهادي ولنجاح العملية الانتقالية ، فإنه من الصعب جداً التفكير بقرار هادي لسبب ما أكثر من سبب حساسيته المطلقة من أي صوت معارض للخط الذي يسلكه الرجل . وقد شهدت وسائل إعلامية – يمنية أو أجنبية – أخرى تسامحاً أقل من قبل السلطات اليمنية ، بمافي ذلك تلك النقيضة تماما للخط الإعلامي لليمن اليوم.
فخلال الشهرين الماضيين ، رحلت السلطات اليمنية الصحفي الأمريكي آدم بارون ، ومنعت طاقم الجزيرة من تغطية الحرب الدائرة مع القاعدة في محافظة شبوة وأعادته على متن مروحية الى صنعاء ، كما ومنع أفراد من الجيش طاقم قناة نيوز عربية من تغطية الأحداث الأخيرة في شارع هائل وسط العاصمة صنعاء. وعقب مهاجمة القناة ، نشرت الثورة الرسمية افتتاحيتها بعنوان ” الحليم تكفيه الاشارة” ، بررت فيها إغلاق القناة ومرسلة رسالة شديدة اللهجة لوسائل الاعلام الأخرى.
وعقب ذلك ومع تدارك مؤسسة الرئاسة الافتتاحية ، فبررت في بيان جديد أقل فجاجة منسوب لمصدر مقرب من هادي أنه اتخذ اجراءات اغلاق القناة بصفته أمينا عاما للحزب الذي تتبعه وكونها لم تراع مقتضيات التسوية السياسية وقواعد وأسس الشراكة الوطنية ، بحسب البيان.
وبالرغم من تفاقم التوتر الامني الملحوظ في العاصمة وعقد صالح العديد من اللقاءات مع رجال القبائل المسلحة خلال الأيام القليلة الماضية ، إلا أن أخطر ما تسببته الأزمة بين الرجلين هو الانقسام الحاد لحزب المؤتمر الشعبي العام، الحزب الأقوى والذي ينتمي إليه الرجلين بينهما.
فعقب مهاجمة القناة ، ترأس صالح اجتماعات استثنائية للجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام تمخض عنه بيان استنكر الهجوم ودعا لاعادة المعدات المنهوبة وتقديم الجناة للعدالة. كما ورفض التعديلات الحكومية التي اتخذها هادي على حساب حصة المؤتمر في حكومة الوفاق الوطني وأطاحت ببعض وزراء المؤتمر لصالح مقربين لهادي. وصعد البيان الأزمة بالتلويح بعقد انتخابات جديدة لقيادة الحزب ، مما يعني الاطاحة بهادي من أمانته العامه.
ويستميت صالح في البقاء على رأس المؤتمر الشعبي العام كآخر منبر سياسي له. ولعل المفارقة الأعجب ، هي تنازع الرجلين قيادة الحزب ، بينما كلا شرعيتهما منتهية أصلا إذ أنه كان من المفترض أن يعقد الحزب انتخاباته الداخلية في العام 2009 ولكن لم يحدث ذلك مطلقا.
وتظهر الأزمة الأخيرة – بشكل عكس توقعات 2011- فشل الرئيس هادي كقائد سياسي في السيطرة على المؤتمر الشعبي العام برغم نجاحه كقائد عسكري في السيطرة على وحدات الجيش كالحرس الجمهوري والأمن المركزي الذي كان يسيطر عليها صالح.
كما بدت محاولة هادي في السيطرة على المؤتمر الشعبي العام عبر مهاجمة اليمن اليوم ومحاصرة جامع الصالح ، محاولة لتحقيق أهداف سياسية بأدوات عسكرية
ومنذ اندلاع الأزمة ، عقد الرئيس هادي أكثر من لقاء مع الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
وأصيب الدبلوماسيين بحيرة حقيقية في التعامل مع الأزمة أخذاً بعين الاعتبار اعتقادهم الوثيق – حسب بعضهم – برغبة صالح في عرقلة العملية الانتقالية ، ولكن ضعف خياراتهم خاصة لدعم هادي في تحركاته الأخيرة خاصة فيما يتعلق بجزئية الاعلام وعدم قدرتهم التعبير عن دعمهم لذلك. واكتفى بيان الدول العشر الأخير بدعوة الحكومة ووسائل الاعلام إلى عمل ميثاق شرف ، هو أول بيان يعبر فيه المجتمع الدولي عن دعمه بشكل خجول للرئيس هادي ، مقصرا ذلك على دعمه في مواجهة الأزمة الانسانية والاقتصادية.
وتزامن التوتر مع انتهاء هدنة هشة بين الحوثيين والجيش في محافظة عمران وعودة الاشتباكات من جديد ،اضافة إلى هجمات مسلحة على أفراد للجيش في جنوب البلاد ووصول عدد من هم بحاجة إلى مساعدة انسانية في اليمن إلى 14.5 مليون يمني بحسب الأمم المتحدة.
ولعل العامل الذي سيكون أكثر ترجيحاً لحسم الأزمة بين الرجلين والذي ليست واضحة تفاصيله بعد هو موقف المملكة العربية السعودية من الأزمة بين الرجلين والتي تمتلك نفوذا مهولا في اليمن ويعتمد صالح كثيرا على دعمها السياسي له ، وتشكل شيكاتها ومساعداتها عاملا فارقا للحكومة اليمنية في مواجهة العجز الاقتصادي الحرج الذي تواجه اليمن.