يخوض الجيش اليمني منذ نهاية ابريل اشتباكات عنيفة وحربا مفتوحة مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بعد ان بدء المعارك معارك مباشرة في محافظتي ابين وشبوة جنوب البلاد. وكان الجيش قد دشن معركته التي اطلق عليها شعار “معا من اجل يمن خالي من الارهاب ” في بداية الشهر المنصرم ، في ما يمكن اعتباره اكبر واشمل هجوما شنه الجيش اليمني ضد تنظيم القاعدة الذي استغل ترهل الدولة منذ العام 2011 ليسيطر على مناطق ومدن نائية.
واشرف على المعركة وزير الدفاع ورئيس جهاز الامن القومي شخصيا، في ما يمكن اعتباره جدية نادرة وجديدة لدى الحكومة اليمنية لمواجهة تنظيم القاعدة. ومع بدء المعركة ، اطل الرئيس اليمني على وسائل الاعلام في خطاب متلفز معلنا ان اكثر من 70 % من اعضاء التنظيم هم غير يمنيين ، في محاولة ليمننة الحرب وحشد الراي العام المحلي معها ، وهو امر نجح كثيرا خاصة مع الدور شبه المخفي – على الاقل في بداية الحرب – للطائرات من دون طيار الامريكية طيلة فترة المعارك ، وهو امر جعل الراي العام اليمني محتشدا بشكل غير مسبوق وراء الجيش كون المعركة بدت يمنية وليست حربا تخاض من اجل الخارج ، نيابة عن الجيش الامريكي على الادق.
ومع ان بدء المعارك ، بدء عقب زيارة قام بها قادة الجيش اليمني الى واشنطن في بداية ابريل المنصرم، الا ان ذلك لم يؤثر على شرعيتها المحلية فالعمليات المتكررة للقاعدة خلال الشهور الماضية والتي استهدفت مدنيين يمنيين – كحادثة مستشفى العرضي التي قتلت فيها القاعدة اكثر من خمسين مدنيا – ، كانت قد ساهمت في تراكم الغضب الشعبي من تنظيم القاعدة ممهدة النفس العام لاي تحرك عسكري يمني ضدها.
و قال مسؤول عسكري رفيع المستوى في حديث للمونتر ان المعارك الاخيرة تاتي كرغبة يمنية في اخذ زمام المبادرة ومواجهة القاعدة ، وان اليمن قد قمت طلبا رسميا لواشنطن تطلب منها مراجعة سياسة ضربات الطائرات من دون طيار. ياتي ذلك فيما اشار نفس المصدر الى ارتفاع منسوب الارق لدى قادة الجيش اليمني من خطر القاعدى التي اغتالت عشرات الضباط ونفذت العشرات من الهجمات في اليمن خلال الشهور المنصرمة ، كما وعثر – بخسب المصدر نفسه- على كميات هائلة من الوثائق في شبوة وابين التي كشفت خططا حربيا وتفاصيل مالية مهولة لعمليات القاعدة وخططها المستقبلية.
وادى اشتعال المواجهات الى خلق حالة حرب مفتوحة بين الجيش والقاعدة ، منها معارك وعمليات خاصة ، ومنها مداهمات مفاجأة للجيش للقبض على خلايا في العاصمة صنعاء واعلان حالة التاهب لدى الاجهزة الامنية.
وفي اواخر مايو ، ومع ارتفاع وتيرة المواجهات في ابين وشبوة ، هاجمت سيارات تابعة للقاعدة مدججة بعشرات الرجال المسلحين مدينة سيؤون شرق البلاد وحاولت مهاجمة البنوك الخاصة والحكومية في المدينة لساعات. ليس واضحا بعد تكاليف الهجوم مع تضارب معلومات الطرفين – وتشديد الحكومة اليمنية الخناق على الصحفيين للوصول الى ارض المعارك – الا ان مهاجمة القاعدة للبنوك ياتي بعد اشهر من قرار مجلس الامن الدولي رقم2140 الذي حظر على الافراد والجماعات والدول تسليم التنظيمات الارهابية اي اموال فدية ، بعد ان كانت اموال الفدية قد شكلت موردا ماليا هاما للقاعدة خلال العامين المنصرمين جنت فيها عشرات الملايين من الدولارات.
الجولة الحالية من الحرب تمتد على نطاق قرابة 10 ألف كم مربع أي مساحة تساوي مساحة دولة قطر تقريبا, وتتوزع على منطقتين عسكريتين (الرابعة,والثالثة) في أهم محافظتين يمنيتين ينتشر التنظيم على أراضيها(أبين وشبوة) وكان أول نشاط جهادي رسمي للقاعدة انطلق في 1998, بقيادة أبو الحسن المحضار من جبال حطاط في أبين ذات الموقع الاستراتيجي الهام.
وكمفارقة عجيبة- فأن زعيم تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية ناصر الوحيشي, ووزير الدفاع الحالي ورئيس الجمهورية هم جميعا من نفس المحافظة – أبين – التي يخوض فيها رجالهم اشتباكات شرسة , , كما أن رئيس الجهاز القومي اليمني المشارك في إدارة المعركة ميدانيا ينتمي لمحافظة شبوة ,وكان محافظا لها وهي المحافظة المجاورة لأبين والتي ينتشر فيها بعض اعضاء التنظيم أيضا ,وهي أيضا المحافظة التي ينتمي إليها الداعية اليمني /الأمريكي أنور العولقي الذي قتل في قصف لطائرات الدرونز الأمريكية في 2011 . كما ان محافظة حضرموت المجاورة ، هي ايضا ارض اجداد اسامة بن لادن والذي بدوره اسس تنظيم القاعدة في التسعينيات.
وعلى غير العادة ، وازت المعارك الميدانية معارك اعلامية شرسة بين التنظيم والجيش اليمني ، الذي سخر كل قنواته الاعلامية لمواجهة القاعدة وخلق اصطفاف شعبي ، بينما استخدمت القاعدة وسائل الاعلام الاجتماعي لبث اخبارها ساعة بساعة ونشر اعضائها صورا حية ومباشرة من اماكن مجهولة ، وتلك هي المرة الاولى التي يسخر الطرفين كل هذه الوسائل الاعلامية لتغليب وجهة نظره الى العامة.
بطبيعة الحال ، فان الحرب بيت القاعدة والجيش في اليمن ليست امرا جديدا ، كما من الصعب التفكير بحسمها عسكريا فقط. ذلك ان التنظيم – الذي تعده الولايات المتحدة خطرا حيويا على امنها القومي – ، توازى نموه مع ارتفاع ضربات الطائرات الامريكية من دون طيار خلال السنوات الماضية. وبالرغم من اعلان الجيش اليمني تحرير ابين من سيطرة القاعدة في يونيو 2012 الا ان ذلك لم يكن دقيقا ذلك ان القاعدة فقط غيرت من اسلوبها العسكري حينها المتمثل بالسيطرة المباشرة على المدن الى الاختباء في الجبال وتنفيذ عمليات نوعية كما في السابق.
اضافة الى ذلك ، فان الاستعانة بجيوش شعبية كاللجان الشعبية في ابين سابقا ، هو امرا لم يثبت جدواه بعد ، لا من ناحية سيطرتها على المدن ودحر القاعدة ، ومن ناحية اخرى فانها مجموعات مسلحة جديدة لا تخضع لسلطة الدولة وتحمل مستقبل مجهول.
لكن الجديد في المعارك الاخيرة هو بالتاكيد الرغبة المتزايدة للسلطات اليمنية في مواجهة القاعدة اضافة الى الدعم الشعبي الغير مسبوق للجيش في اليمن وهو امر ندر في السابق ، لاسباب كثيرة منها الدور المباشر للولايات المتحدة في الحرب على الارهاب والذي تتخذ الطائرات من دون طيار – التي اغلب ضحاياها مدنيين- احد اوجهه في الساحة اليمنية