ربط انتهاء أي شرعية بتوقيت زمني معين ,لا يعدو كونه واحدة من أردأ عمليات التظليل والتزوير للوعي التي يمكن أن يتعرض لها أي مجتمع.
من يحاجج بانتهاء شرعية المبادرة الخليجية اليوم ( 21 فبراير 2014) ، هو على نفس الضلال والتضليل الذي يحاجج باستمرار شرعية المبادرة والرئيس هادي إلى حين الانتهاء من تنفيذ المبادرة..
حينما قام الرئيس الامريكي ريتشارد نكسون بانتهاك مسؤوليته ، اجبر على الاستقالة من منصبه وهو رئيس منتخب عبر انتخابات على الاقل تنافس فيها اكثر من مرشح.
إن أي شرعية تعتمد على شقين أساسيين ، كلاهما مرتبط بالآخر, الشق الأول هو شرعية الوعود والثاني شرعية التنفيذ للوعود ,وحينما أتت المبادرة الخليجية وحكومتها ورئيسها ، وعدت بأنها ستمنع اليمن من الانزلاق للحرب الأهلية ، وتحل القضية الجنوبية ، والوضع الأمني ، الخ, أو على الأقل كان ذلك الهدف الرئيس لها ,وبناء على ذلك حصلت على شرعيتها الشعبية (قبول الشعب بها او عالاقل اغلبه) ، أي أنها أعلنت للناس أهدافها ووعودها التي أدت إلى الموافقة عليها. وبدون هذه الأهداف المعلنة,والوعود المضروبة ,لم تكن لتحصل على أي تأييد ,ولا شرعية شعبية.
إلا أنها – على الأقل من عامها الثاني- فقدت شرعيتها لأنها لم تف بوعودها ولم تنجز ما قالت أنها ستنجز ، أي أنها فقدت شرعية الاستمراية, فحين قالت أنها ستمنع الحرب الأهلية في اليمن لم تقم بذلك بشكل حقيقي, والأقرب لمعطيات الواقع أنها فقط أجلتها .
فككت فرص الاقتتال المباشر داخل الجيش ، إلا أنها بالمقابل وبفعل أدائها وأدواتها أشعلت فرص حرب أهلية مناطقية وطائفية وقبائلية ، الخ.
قالت المبادرة مثلا, أن الحكومة الانتقالية ستعالج الوضع الأمني المتردي ، ولكن الحكومة بدلا عن ذلك أصبحت تثقل كاهلنا بالقلق على حياة رئيسيها(رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية) وأصبحت حياتهما أكثر ما يمكن أن نحلم به.
بشرت المبادرة بأن الحوار الوطني سيحل القضية الجنوبية وسيصبح منبرا لاحتواء الأطراف التي لم توقع المبادرة, وبدلا عن ذلك تحول الحوار إلى منبر ابتزاز سياسي وتجميل قبيح لعنف الجماعات المسلحة .
قالت أن الحوار سيحل مشاكل اليمن ، ثم ما لبث أن تحول إلى مشكلة بحد ذاته ,علاوة على أنه لم يكتف بخرق لوائحه الداخلية فقط ، وإنما حتى لجنة الأقاليم التي نشأت عنه، هي نفسها خالفت لوائحها الداخلية وقرار إنشائها وحتى وثيقة الضمانات الرديئة أصلا حينما قسمت الأقاليم بناء على معايير غير فنية ،غير ثقافية ، غير تنموية ، غير جغرافية ، وحتى غير مائية.
شرعية المبادرة انتهت حينما عرقلت الحكومة الانتقالية تنفيذ المبادرة الخليجية بتواطئها/تباطئها بتنفيذ النقاط العشرين.
شرعية المبادرة انتهت ، حينما لم تنفذ ما قالت انها ستنفذه.
ومع محاولة تغطيتها لفشلها بالتسويق لمنطق “التوافق” كمعيار نجاح ، الان انها تناست ان التوافق المطلق ، كالسلطة المطلقة ، مفسدة مطلقة.
ومنذ ذلك الحين ، ومع التشدق والادعاءات المتكررة بالتمسك بالمبادرة الخليجية ، اصبح التمسك بها تمسكا بالموت والهلاك.واصبح الاستمرار في سياقها ، انتهاجا للموت المقدر الذي لا مفر منه كون القاطرة بلا عجلات بريك ولا سائق وفي رأس جبل.
كما ان العرقلة التي ترمي عليها بفشلها، ليست فقط أفعال معادية ، وإنما هي أيضا “اللا عمل” من قبل الحكومة الانتقالية ,كعرقلة واضحة ومباشرة جرمها أكبر كونها تأتي من الطرف المعول عليه مواجهة العرقلة والمضي قدما نحو المستقبل.
العملية “النقلية” ( وليست الانتقالية ) في اليمن تنقل الماضي إلى المستقبل بدلا من أن تنتقل بالبلد نحو المستقبل.
21 فبراير هو إحدى تلك المناسبات التي أجل اليمنيون مشاكلهم فيها ورحلوها بمباركة وسفسطة دولية تعاملت مع عقول اليمنيين باستخفاف واستفزاز واستغباء,حينما أتت فجأة لتقول أن التنفيذ وليس الزمن هو ما يحكم المبادرة الخليجية . على اعتبار ان اليمن بلد لا ينبض منها الزمن أيضا ، أسرع من نبض الماء والنفط.
هذا الاستغلال الدولي لمشاعر اليمنيين التي تعلقت بأي قشة أمل ,والسفسطة المبتذلة – بتزيين تكنوقراطي محلي رديء ـ لإرادة اليمنيين وأصواتهم هو أمر مخزي ومعيب ومهلك يحاول الشرعنة لأطراف انتهت شرعيتها ، بالرغم من انتهاء شرعية الجماعات التي تنادي بإسقاطها.
ليست الأنظمة وحدها من تخضع لشرعية البداية والنهاية ، فحتى الحركات الاجتماعية والسياسية حينما تخرج عن التزاماتها تفقد شرعيتها مهما كانت مطالبها عادلة في البداية.
لا أحد يمتلك صك غفران أبدي ، لا الثورة ولا الحراك الجنوبي, حينما يتسلح ، ولا المظلوم قدبما حينما يتحول الى جلاد ، ولا حتى المركز حينما يصمت عن القتل الذي تعرض له مصلون عزل في عدن .هذه الأمور تضع الثورة وشرعيتها وكل شيء في خطها على الحافة. لا يهم ان تغزلت الثورة بالنجاحات ، وهي صامتة عن ما يجري جنوبا.
انظروا إلى عدن فجر الامس، لتروا أن ما جرى هو فقط تداول سلمي للقتل.
البسطاء الذين أربكوا مسارات السلطة والمعارضة في 2011 ، كفيلون بإرباك كل المسارات الحالية والقادمة حينما تستخف بوعودها وتسخر من أحلامهم ولو حضت بسفسطة دولية.
خلاصة ما يمكن قوله أن تتويه الشارع بنقاشات لا تمتلك أي منها منطلقات شرعية هو خروج عن هموم الناس الأساسية, لأن الأمر الواقع بسوئه الذي نعرف هو من يجبرنا على تحمل خروقات وتجاوازت بهذا الحجم,و أصبح الحديث عن الحركة والتغيير مقيد بمخاوف الثمن الذي علينا أن ندفعه بالمقابل,ولم يعد من اللائق بأي طرف محلي أو دولي أن يبني توجهاته فقط على استغلال هذه المخاوف الذي فشل في تجاوزنا لها,و محا بهذا كل نجاح كان يمكن أن يسجل في رصيده, لأن هذا هو مؤشر الفشل أو النجاح الوحيد الذي يقبل القياس والاحتفاء,أو على الأقل صم هذه الأفواه المفتوحة للتبجح بما لم يحدث.
لا تأمنوا كثيراً ، ولا تستقووا بالسفسطة الدولية والبدائية المحلية ، ولا حتى بالتكنوقراطية المحلية.
فحين تسد مسار النهر الطبيعي ,لا تتوقف حركة المياه ,وإنما تواصل حركتها واندفاعها عبر مسارات أخرى تخلقها بقوة الاندفاع, وديمومة الحركة,وبينما كان يمكن أن .تصل هدفها بسلام عبر مجرى النهر,فإن سده قد يحيلها إلى فيضان