تشنّ المملكة العربية السعودية وعشر دول أخرى منذ آذار/ مارس 2015 غارات دامية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن تمثلت بعشرات الغارات الجوية. الحملة التي تستهدف ما يسميه السعوديون «الخطر الإيراني» في شبه الجزيرة العربية حصلت على دعم محدود نسبياً من إدارة أوباما، إلا أن التحالف بقيادة السعودية يتمتع الآن بحرية أكبر بعد وصول ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض.
أحد المبررات الرئيسية التي تسوقها الولايات المتحدة لدعم الحرب السعودية في اليمن سياسياً وعسكرياً هي الزعم بأن الحوثيين – وهي جماعة يمنية يقودها شيعة زيديون – هم وكلاء إيرانيون يسعون إلى الإطاحة بالحكومة اليمنية وإخضاعها للنفوذ الإيراني. في المقابل ينفي الحوثيون والإيرانيون وجود علاقة وثيقة بينهما، ويحاولون التقليل من أهمية الدعم الذي يتلقاه المتمردون اليمنيون من طهران.
في الواقع كلا الطرفين على خطأ، والحقيقة تقع في مكان في الوسط بين ما يدعيه كل منهما.
لم يتمرد الحوثيون بسبب الدعم الإيراني، ولو أنهم حصلوا عليه في مرحلة لاحقة. نشأت حركة الحوثيين كتيار مذهبي مع أوائل التسعينات من القرن الماضي، ولجأت إلى العنف في 2004، عندما تظاهر أنصار الحوثي في المساجد رافعين شعارهم الشهير «الموت لأمريكا»، ما أثار غضب الرئيس اليمني (علي عبدالله صالح) آنذاك، والذي أرسل القوات الحكومية لكبح جماح الجماعة. وبعد مقتل حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، اندلعت دورات الحرب التي استمرت ست سنوات.
وبينما لا يوجد أدنى شك أن الحوثيين هم أكبر خطر تواجهه فكرة الجمهورية في اليمن، إلا أنهم خطر بوجود دعم إيراني أو بغيابه. ذلك أن الدعم الذي تبذله طهران لحلفائها في اليمن يبقى ضئيلاً بالمقارنة مع ما يحصل عليه حلفاؤها العراقيون أو السوريون أو اللبنانيون. لا يلغي ذلك الأثر التخريبي للدعم الإيراني، إلا أن إيران ليس الداعم الرئيسي أو الوحيد للحوثيين. الأسلحة والمصالح المالية التي يحصّدها الحوثيون بالشراكة مع الحكومة اليمنية في السوق السوداء، مثلاً، أكبر بما لا يقاس من التمويل الذي يحصلون عليه من إيران. وحتى دول مثل سلطنة عمان وروسيا لديها من السطوة والنفوذ على الجماعة ما يفوق سطوة ونفوذ إيران.
ومن الضروري الإشارة إلى أن الحرب السعودية لم تضعف العلاقة بين الحوثيين وإيران، بل ساهمت في تعميقها وتمتينها.
ادعاءات قديمة جديدة
في منتصف يوليو/ تموز 2016، غادر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مقرّ إقامته في العاصمة السعودية الرياض وزار محافظة مأرب لبضع ساعات، قبل أن يغادرها مجدداً إلى مقرّ إقامته في العاصمة السعودية الرياض. وخلال الزيارة النادرة التي خص بها الرئيس اليمني المقيم في المنفى إحدى محافظات دولته، وفي خطاب مقتضب أمام حشد من رجال دولته، وبينهم نائبه علي محسن الأحمر – خصم إيران اللدود والنقيض الطائفي لحلفائها اليمنيين – قال هادي إنه لن “يسمح لإيران بإقامة دولة «فارسية» في اليمن”. كما كرر مجدداً تعهده برفع علم الجمهورية اليمنية في مران، معقل زعيم جماعة الحوثيين في محافظة صعدة، في إيحاء مباشراً بأن صعدة غير خاضعة لسلطة الجمهورية اليمنية، وبأن ميولها غير جمهورية، وهي تهمة أخرى تساق ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين) مفادها أنهم امتداد لنظام حكم الأئمة في اليمن، أو بعبارة أخرى أن الجماعة مرتبطة مذهبياً بالجمهورية الإسلامية في إيران. قبل ذلك وبعده، كرر الرئيس هادي وجميع مسؤوليه تقريباً، بالإضافة لعدد من المسؤولين الخليجيين، أن الحرب في اليمن هي حرب ضد إيران.
كما عبر الرئيس هادي مراراً وتكراراً عن خشيته من التمدد الإيراني في اليمن، خصوصاً لزواره الخليجيين والغربيين، حتى أثناء إقامته في صنعاء. بلغ الأمر بالرئيس هادي أن قال للسيناتور الأمريكي جون ماكين عام 2013 أنه يخشى إيران أكثر مما يخشى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، عدو الولايات المتحدة وهمها اليمني الأكبر في ذلك الحين وحتى الآن. ولعل ذلك كان استنباطاً من هادي لموقف زائره المفترض من إيران. غير أنه حتى حينها كان بين إيران والرئيس اليمني نفسه علاقات حيوية وإن كانت في الخفاء.
كُتبت تحليلات وبيانات رسمية كثيرة تناولت الطموحات الإيرانية في اليمن، خاصة عبر علاقتها مع حلفائها الأقوياء في اليمن من الحوثيين (أنصار الله). ومما عزز تلك الفرضيات الاتفاقية المفاجئة التي عقدها الحوثيون مع إيران عقب انقلابهم الكامل واستيلائهم على السلطة في صنعاء في يناير / كانون الثاني 20155 وتفعيل اللجنة الثورية لاحقاً. دشّن الحوثيون آنذاك أكثر من أربع عشرة رحلة جوية أسبوعية بين صنعاء وطهران، فيما أعلن عبد الملك الحوثي، الزعيم الحالي للحوثيين (وشقيق الراحل حسين بدر الدين الحوثي مؤسس الجماعة) أنه سيعاد تأهيل مطار صعدة المتاخم للحدود السعودية مما سيجعله قادرا على استقبال رحلات خارجية مباشرة من طهران. ونتيجة لذلك، بدأت شركة «إيران إير» على الفور سلسلة من الرحلات الجوية من وإلى صنعاء. بدا ذلك غريباً للغاية، فهناك أكثر من مليوني عامل يمني في المملكة العربية السعودية دون أن تمتلك الخطوط اليمنية هذا العدد الأسبوعي من الرحلات بين اليمن والسعودية، ناهيك عن بضع مئات أو بضعة آلاف – على أكثر تقدير – من اليمنيين المقيمين في طهران.
كانت تلك إشارة إلى تحول إيران من دور الحليف الخفي إلى دور الصدارة، وقد تعدى هذا التحالف الجماعة الحوثية ووصل إلى الدولة اليمنية نفسها، والتي أصبح يسيطر عليها الحوثيون حينها بقوة السلاح. وقد ساهم عدد الرحلات الذي لا يمكن تبريره في إثارة الكثير من التساؤلات المتعلقة بطبيعة هذه الرحلات وحمولتها ذهاباً أو إياباً بين صنعاء وطهران. لا توجد معلومات معلنة حتى الآن حول فحوى وحمولة هذه الطائرات، ولا حول هوية الركاب الذين كانت تقلهم.
بحلول أوائل آذار/ مارس 2015، مع تدشين هذه الرحلات الجوية المنتظمة، وقبل أسابيع من بدء التدخل السعودي في اليمن، أقلت إحدى الطائرات وفداً رفيع المستوى من الحوثيين والمسؤولين اليمنيين إلى طهران في زيارة مطولة للبحث عن الدعم المالي للنظام المفروض حديثاً في صنعاء. عاد الوفد بالكثير من الوعود الإيرانية بالدعم، والتي خاب جلها حسبما أكده عدد من أعضاء الوفود لاحقاً. أصبح واضحاً –أكثر من أي وقت مضى– أن إيران تفضل استغلال الحوثيين واستثمار صعودهم الأخير على أن تعاملهم على قدم المساواة كأنداد أو حلفاء استراتيجيين كما هو الحال مع حزب الله، على سبيل المثال.
على أية حال، عاد هذا الجدل إلى الواجهة وبشكل كثيف في الآونة الأخيرة، خاصة منذ عامين بعد تدخل السعودية في الحرب اليمنية لدحر ما وصفته بالنفوذ الإيراني المتنامي المناوئ لنفوذها التاريخي. قبل هذا التدخل بأيام، غامرت قوات الحوثيين وصالح بسلسلة مناورات عسكرية غير محسوبة العواقب على الحدود السعودية، في تحدٍّ واضح وصريح من قوة جديدة جامحة مستعدة لفعل أي شيء لشرعنة حضورها الجديد. وقد تزامنت المغامرة العسكرية مع تغير خطير ومفاجئ داخل البيت السعودي، والذي لم يكن له تدخل عسكري سابقاً. وقد غلف السعوديون تدخلهم بطلب الرئيس هادي استعادة سلطته، وهو ما أعلنوه هدفاً لعملياتهم في اليمن.
ومع الحديث القديم والمستجد في هذه المسألة، تغيب الحقيقة بين وجهتي نظر كلتاهما تعوزها الدقة. الأولى تجعل الحوثيين حلفاء إيران المصيريين ورعاياها البنيويين، بينما ترفض وجهة النظر الأخرى بالمطلق أي وجود لأي علاقة بين الطرفين. الواقع أن الحقيقة تكمن في مكان ملتبس ما في الوسط، لكن للوصول إلى هذا الوسط وفهم تلك العلاقة المتشابكة لا بد من الانتباه لمجموعة من العناصر أو العوامل المتداخلة:
ليسوا حلفاء ولا وكلاء، بل أدوات رخيصة
ثمة بالفعل علاقة مباشرة بين الحوثيين وطهران، وهناك بالتأكيد دعم مالي وإعلامي وسياسي تقدمه الأخيرة للجماعة المسلحة، كما تقدم لهم – إلى حد ما- التدريب العسكري. وقد قام بتنسيق وتيسير هذه التسهيلات والتدريبات بين الجانبين مقربون من الدرجة الأولى من الزعيم الحوثي عبد الملك الحوثي. إلا أن عوامل نشوء وصمود الحوثيين هي عوامل محلية يمنية وليست خارجية؛ بمعنى آخر فإن علاقة الحوثيين مع إيران ليست مصيرية كعلاقة الرئيس هادي مع الرياض مثلاً. فبينما يستطيع الحوثيون الصمود لفترة لا بأس بها في السلطة دون دعم إيران، لن يستطيع الرئيس اليمني هادي البقاء بضعة أيام في السلطة على الأرجح في حال تخلي السعودية عنه.
ذلك أيضاً أن التحدي الحقيقي الذي يواجهه الحوثيين، ومشكلة الحوثيين الحقيقية في اليمن، هي عموم اليمنيين، وليس المملكة العربية السعودية ولا أية قوى مرتبطة بها، والتي قد تأتي تالياً وليس أولاً.
يمكن أيضاً تفسير محدودية الدعم العسكري الإيراني بحقيقة أبسط، وهي أن اليمن مليء بالأسلحة والمقاتلين (بالإضافة إلى جيش صالح وترسانته، والذي تحالف بشكل صريح مع الحوثيين)، ما يقلل من أي حاجة ملحة إلى الأسلحة أو المقاتلين من الخارج. حتى العدد المحدود من المستشارين الإيرانيين الذين كانوا يقيمون في اليمن مع بداية الحرب (لم يتجاوزوا المئة في فترات مختلفة) تمت الموافقة على ترحيلهم تدريجياً كجزء من انطلاق المفاوضات مع السعودية في وقت سابق من العام الماضي (قبل أن تتوقف المفاوضات، ومعها الترحيلات، فيما بعد). وقد أعقب هذه المفاوضات وقف إطلاق النار متقطع على الحدود حسب مصادر دبلوماسية متعددة. ومع أن وكالة رويترز ذكرت مؤخراً خبراً عن وصول أسلحة متطورة إلى الحوثيين عبر سلطنة عمان، إلا أن العمانيين نفوا الأمر بشكل قاطع. قد يستفيد الحوثيون وحلفاؤهم من الخبرات الفنية الإيرانية أكثر من المعونات المادية وقطع الأسلحة، والتي تتعرض منافذها المحتملة لحصار مطبق تفرضه السفن البحرية الأمريكية والمصرية على موانئ اليمن.
إن الأسلحة المهربة إلى الحوثيين وصالح من قبل مصادر وحلفاء سريين داخل جبهة الشرعية أكثر بكثير من أي دعم يأتي عن طريق إيران، حسب مصادر قيادية مختلفة ومطلعة داخل تحالف الحوثي-صالح وداخل حكومة المنفى، وتشمل جبهة الشرعية جماعات متباينة كثيرة تقاتل ضد الحوثيين.
إلا أن الدعم الإيراني المحدود أو ما هو ظاهر منه على الأقل، ما يزال أساسياً بالنسبة للحوثيين ذلك أنهم لا يمتلكون أي حليف علني آخر في هذه المرحلة. وعلاوة على ذلك، يقدم الدعم الإيراني للحوثيين كفاءات يفتقرون إليها بشدة، كالتخطيط الاستراتيجي والعمل السياسي والخبرات العسكرية النوعية في التعامل مع أسلحة معقدة واستراتيجية، وفي إطار العلاقات الخارجية.
إيران فوجئت أيضاً
على أي حال، يعبر الكثير من المسؤولين الإيرانيين وراء الجدار عن تفاجئهم، شأنهم شأن بقية العالم ، بسيطرة الحوثي المفاجئة على صنعاء في سبتمبر / أيلول 2014. كما يرى العديدون أن للتحالف بين صالح وإيران من العواقب ما يفوق علاقة الحوثيين بإيران بأشواط، كما أن هذا التحالف أغضب السعوديين أكثر مما أغضبتهم علاقة الحوثي بإيران.
وكما ذكرت سابقاً، تمتلك دول مثل روسيا وسلطنة عمان نفوذاً داخل جماعة الحوثي أوسع من إيران. ويعود جزء كبير من النفوذ الإيراني داخل الجماعة إلى جهل الأخيرة بالسياسة، أكثر من حرصها على إبرام صلة حقيقية محورية مع طهران. لا ينفي هذا حقيقة أن إيران هي النموذج المحتذى للجماعة في الخطاب العام، ولا سيما فيما يتعلق بمعاداة أمريكا وإسرائيل، حسب الشعار الذي يردده أتباع الجماعة (والمستعار من الخطاب الثوري الذي أطلقه الخميني أواخر السبعينيات)، وفي إطار السيطرة على القرار في المؤسسات الحكومية عبر اللجان الثورية المستوحاة أيضا من إيران، كما لا ينفي أيضاً حقيقة أن عددا من قياديي الجماعة قد أقاموا لفترات متقطعة ومتفاوتة في إيران، خصوصاً قبل ظهور حركتهم إلى العلن. كما لا يزال العديد من قادة الحوثيين يمتلكون منازل و يديرون استثمارات داخل إيران.
لكن – وفي نفس الوقت – يبقى أن من استطاع ردع الحوثيين عن تشكيل حكومة بعد استقالة حكومة خالد بحاح في يناير/ كانون الثاني 2015 كان الروس وليس الإيرانيين. وبعد تعيين مجلسهم السياسي لعبد العزيز بن حبتور كرئيس لحكومة أزمعوا على تشكيلها في وقت لاحق، كانت أيضاً روسيا من استطاع ثنيهم عن تشكيل حكومة منفردة قبل ذلك التوقيت. وقد وافقوا لأشهر قبل أن يتراجعوا عن الاتفاق لاحقاً ويمضوا في تشكيل الحكومة بشكل أحادي (بالتقاسم مع حليفهم الرئيس السابق صالح).
بالنسبة لإيران، فهي لا تعتبر الحوثيين حلفاء استراتيجيين في واقع الأمر بقدر ما تعتبرهم أرخص وأقرب «أصبع وسطى» يمكنها رفعها في وجه السعودية، ومن خاصرتها الأقرب في الجنوب.
صحيح أن الجماعة هي أقوى حلفاء إيران في اليمن (أنفقت طهران الكثير من الوقت والمال على قيادات في الحراك الجنوبي أيضا)، إلا أن ما تنفقه إيران على الحوثيين هو أقل مما تنفقه على زعيم سياسي لبناني واحد، على سبيل المثال.
كما أن إيران، وعلى عكس السعودية، ليس لديها ما تخسره في اليمن، لذا فهي ترى في الأمر بيئة منخفضة التكلفة لاستهلاك واستنزاف السعوديين. أو كما قال أحد المسؤولين الغربيين “سيرمي الإيرانيون بدولار في اليمن ليقينهم التام بأن السعوديين سيرمون مقابله مليون دولار، ما يعني أنها معركة رابحة لإيران حسب هذا المقياس.”
لإيران شبكة مصالح واسعة في شبه الجزيرة العربية، معظمها في السعودية والبحرين، أما اليمن فمسألة ثانوية عند طهران. على سبيل المثال ، أثار إعدام الزعيم الشيعي السعودي نمر النمر في يناير/ كانون الثاني 20166 غضب الإيرانيين أكثر بكثير من التدخل السعودي في اليمن، وقد كانت المساعي الإيرانية الدولية للدفاع عن النمر أكبر من أي سند حقيقي إيراني لصالح الحوثيين في الساحة الدولية – باستثناء التعريج على حرب اليمن كلما أرادت إيران تسجيل نقاط ضد السعودية أو رغبت بالتلويح بحضورها الطائفي في المنطقة.
شراكة مضطربة
ليست العلاقة بين الحوثيين والإيرانيين متناغمة تماماً، حيث لا تحبّذ إيران وجود نسخة شيعية عربية معتدلة مثل الزيدية، والتي تقع خارج سطوتها وتعريفاتها الدينية. إن الفارق بين زيدية اليمن وإثني عشرية إيران مسألة جوهرية، إذ ترى إيران في المكون المذهبي الزيدي خطراً عقائدياً، ما يدفعها للعمل على تمكين أشخاص وأطراف أكثر التصاقاً بها وأقل ارتباطاً بالإرث الحقيقي للزيدية اليمنية. هذا ينسجم مع جهود إيران في تكريس ثقافة سياسية دينية مرتبطة بمبادئ الإمامة والولاية، والتي لا يؤمن بها الزيديون على وجه الإجمال – باستثناء فرقتين زيديتين هامشيتين هما الكسائية والجارودية – ما يعنيه ذلك أيضا هو أن طهران تقوم بعملية تفريخ لحليفها الوحيد في اليمن. بالإضافة لذلك، لدى معظم الحوثيين مخاوف بشأن مستقبل علاقتهم مع السعودية – رغم الحرب الحالية – تفوق مخاوفهم بشأن إيران، فهم يدركون الحتمية والواقع الجغرافي والتاريخي (وحتى الديني) الذي يحكم العلاقات اليمنية السعودية، رغم تناقضهم الطائفي مع النظام السعودي.
ولعل المفارقة الكبرى الكفيلة بتفتيت كل التنميطات المسبقة حول علاقة اليمن بإيران هي أن الأخيرة، قبل انقلاب الأحوال وتسلّم الحوثيين السلطة في صنعاء، كانت تدعم الزعيم الجنوبي علي سالم البيض، وأن القوات الجنوبية –المحدودة العدد– التي دربتها إيران كانت هي نفس الوحدات التي هزمت الحوثيين وطردتهم من محافظة الضالع (جنوب البلاد) منتصف عام 2015.
وعلى الرغم من تبنّيه المعلن للخطاب الطائفي تجاه إيران، فإن الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي كان يتمتع بخطوط تواصل هامة مع إيران خلال الأعوام القليلة الماضية، والتي وصلت إلى حد تبادل التهاني والهدايا مع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، عبر مبعوثين مختلفين بين الطرفين خلال فترة سقوط صنعاء أمام الاجتياح الحوثي في أيلول/ سبتمبر 2014. ولم تنته هذه العلاقة إلا بعد اندفاع صالح والحوثي نحو إيران وتمسّك السعودية بهادي كوسيلة لحربها القادمة في اليمن. وقد اختارت إيران الرهان الأقوى حينذاك، حيث كان كل من صالح والحوثي يتمتعان بحضور أقوى شعبياً وداخل الجيش ومؤسسات الدولة العميقة. وقد عززت إيران علاقتها مع الحوثيين عن طريق وسطاء إقليميين، مثل حزب الله، ما يشير من ناحية أخرى إلى عدم وجود اعتماد تام عليهم في الرهان الإقليمي الإيراني. وعلى غرار ما قامت به الولايات المتحدة –في ظل إدارتي أوباما وترامب– من صك توكيل للسعودية بشؤون اليمن، فقد وكلت إيران حزب الله بشؤون اليمن والحوثيين.
وكان حزب الله هو «المقاول» والمتعاقد الرئيسي للنشاط والنفوذ الإيراني في اليمن، ولا يزال همزة الوصل بين الطرفين، والطرف الذي يدير تدريبات و«بناء قدرات» الحوثيين، ويتولى إدارة الملف اليمني مباشرة لصالح إيران.
إن الإدارة الأمريكية الحالية في ظل الرئيس ترامب، وكذلك المملكة العربية السعودية وحلفائها الآخرين في حرب اليمن، تضخّم غالباً علاقة الإيرانيين بالحوثيين وتبالغ في افتراض الولاء الحصري بين الطرفين، بينما يبالغ الحوثيون، من جهة أخرى، في التخفف القطعي من تلك العلاقة بشكل يصعب تصديقه.
وعلى الرغم من تصريحات البيت الأبيض في وقت سابق أن الحوثيين ذراع إيرانية، من المهم أن ندرك أن الدور الإيراني في اليمن يبقى مدمراً، مثله مثل أي تدخل إيراني آخر في المنطقة. لكن الحوثيين هم أيضاً جماعة مدمرة، بإيران وبدون إيران.