كان المشهد في محافظة صعدة شمال اليمن في 5 يونيو الجاري صاعقا واستثنائيا فالاحتفالية الضخمة بدفن رفات مؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي رفعت أعلاما خاصة بصورة قائدها (الشهيد القائد)، وأخرى بعبارة شعار الصرخة المعروف عنهم (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) بينما غاب العلم الوطني للجمهورية اليمنية كليا,ورفع ما يشبه حرس الشرف رفات الراحل على أكتافهم بخشوع وهم يرتدون زيا أشبه بالعسكري,وآخرون يجوبون المنطقة بسيارات تحمل شعار الحركة للحفاظ على الأمن,وصل قائد المجموعة(حرس الشرف) ليستأذن قائد العرض الزعيم الجديد عبدالملك (شقيق حسين) و يناديه (سيدي ومولاي) أمام مئات الآلاف من المشيعين.
ثمة مشهدا مماثلا واحدا ووحيدا يتذكره من كان يشاهد احتفالية الدفن ، احتفاليات حزب الله اللبناني في جنوب لبنان. بدت كل المراسيم والاحتفالية كمحاولة عارمة للانصهار والذوبان في نموذذج حزب الله اللبناني.
بنفس القدر فأن احتفالية دفن رفات مؤسس الحركة الحوثية بعد مقتله ب9 سنوات تقريبا (قتل في سبتمبر2004) بمثابة ولادة دولة بدفن رفات، وولادة موجة عارمة من الاقتتال الطائفي في اليمن إن حدث ذلك.
فلم يكن عضو البرلمان اليمني عن حزب المؤتمر الشعبي العام (حزب الرئيس السابق) يتخيل فيما يبدوا هذا المستوى من الموت والتأبين، ذلك أن حسين بدر الدين الحوثي تحول من برلماني عادي في بداية التسعينات إلى صاحب مشروع ديني/ سياسي له مئات الآلاف من المريدين والأنصار مطلع الألفية الجديدة.
قتُل حسين الحوثي في نهاية الجولة الأولى من حرب حركته التي أسسها مع الدولة اليمنية (6جولات) عن آلاف قليلة من الأنصار يخاف أحدهم أن يعترف بانتمائه إليه حتى على مستوى منطقته (محافظة صعدة) المحاذية لحدود المملكة العربية السعودية جنوبا، والتي دخلت بشكل رسمي في الجولة السادسة والأخيرة (حتى الآن) من حرب صعدة الستة مع الدولة.
بعد 9 سنوات على رحيل الرجل كانت صوره مرفوعة على لوحات إعلانية عملاقة في شوارع العاصمة صنعاء، وأنصاره تضاعفوا عدة مرات، وأصبحوا يفاخرون علنا بانتمائهم إليه كونه (الشهيد القائد) ويصارعون أكبر الأحزاب السياسية اليمنية تنظيما (حزب التجمع اليمني للإصلاح).
تطور دراماتيكي لحركة الحوثيين في اليمن شمل بيئتها وعلاقتها وكأنما كانت مقدمة استباقية لحصد ثمار الربيع العربي قبل ولادته بسنوات.
حسين سليل أسرة علم شهيرة في المذهب الزيدي وكان عضوا في حزب الحق الأقرب للتمثيل الديني للفئة الزيدية في اليمن ولكن حزب الحق لم يلب طموح حسين للوصول إلى البرلمان مطلع التسعينات من القرن الماضي، وكما يبدو لم يكن لديه الوقت للمثالية بالبقاء في حزب ضعيف لا يحقق طموحاته .
انتقل الرجل إلى حزب الرئيس السابق صالح (المؤتمر الشعبي العام) فأصبح عضوا عنه في البرلمان اليمني في انتخابات 1993 التي كان من تداعيات نتائجها حرب 1994 التي وقف فيها بدر الدين الحوثي (والد حسين) معنويا في صف علي سالم البيض فتسبب هذا الموقف بقصف الجيش لمنزله في صعدة التي غادرها نحو طهران وظل فيها لسنوات.
بالتزامن تفرغ حسين الحوثي للعمل الميداني وتأسيس تنظيم الشباب المؤمن، نواة الحركة الحوثية أو ما بات يعرف اليوم ب (أنصار الله) عبر التعليم الديني وإحياء الروح الجهادية لدى شباب المذهب الزيدي في مديرية مران من محافظة صعدة (حيث يبنى مزاره اليوم).
في يونيو 2004 تفاجأ اليمنيون باشتعال معركة طاحنة في بعض مديريات صعدة شنتها الدولة ضد الحوثي الذي اتهمته بمحاولة إعادة دولة الإمامة التي ثار الشعب ضدها في سبتمبر 1962م، ولأن رجل الدين عادة ما يحتاج لمزيج من السياسة والنضال أو العكس ليتحول إلى أسطورة في نظر مريديه فقد تم لحسين ما أراد، إذ انتهت المعركة بمقتله، ليتحول إلى شهيد ورمز لأنصاره فلم تنته الحرب كما اعتقد المتابعون، فقد تصدر الحوثي (الأب) لقيادة الحركة بينما كان يحيى الحوثي (الأخ) عضوا في البرلمان عن المؤتمر الشعبي العام في مقعد أخيه حسين منذ إبريل 2003.
لحق الحوثي الأب بنجله حسين وأحد أبنائه الآخرين، وغادر عضو البرلمان (يحيى) إلى ألمانيا لممارسة المعارضة السياسية بالتوازي مع المعركة المسلحة على الأرض.
في الجولات الست للحرب بين (2004 – 2010) كانت كل جولة تنتهي بشكل غامض، بأوامر رئاسية كلما اقترب الجيش من الانتهاء عسكريا، بالمقابل كانت دائرة انتشار الحوثي تتسع في تناسب عكسي مع قدرات طرفي الحرب بما فيها الجولة السادسة التي دخلت فيها السعودية كطرف ثالث ضد الحوثي باعتباره تهديدا لحدودها الجنوبية ولاتهامه بالعمل لصالح خصمها الإقليمي التاريخي (إيران).
قال معارضو صالح حينها أن الحرب مع الحوثي لعبة من قبل النظام هدفها الأساسي إنهاك الفرقة الأولى مدرع (الجيش الذي يقوده اللواء علي محسن الأحمر) لأنها في إطارها المكاني وذلك لترجيح كفة قوات الحرس الجمهوري بقيادة نجل صالح، ولم تهدف لإنهاء حركة الحوثي، ولا زال اللواء الأحمر هو العدو الرسمي للحوثيين رغم اشتراك الطرفين في إسقاط نظام علي صالح 2011.
انعكس الملف الحوثي على ملفات يمنية أخرى أكثر حساسية كملف الحراك الجنوبي الذي انطلق سلميا في 2007 ثم تعددت فصائله وتياراته وبرز منها تيار علي سالم البيض كتيار متهم من قبل الحكومة اليمنية والدبلوماسيين الدوليين بموالاة ايران ومطالبا بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ملاقيا الدعم من الحوثيين، مع الكشف عن صفقات الأسلحة قالت الحكومة اليمنية انها مهربة من إيران وعن شبكات تجسس تعمل لصالح طهران من أكثر من جنسية.
وبعد خروج الشباب اليمني إلى الساحات مطالبا بإسقاط نظام صالح 2011، وتقديم المبادرة الخليجية كمخرج للوضع الحرج لليمن، وافقت أغلب الأطراف السياسية اليمنية على المبادرة كحل وسط، إلا أن الحوثي لم يقرها متهما السعودية وأمريكا بإفشال الثورة، ورغم مشاركته في الحوار الوطني الجاري حاليا كأحد مخرجات المبادرة لا زال أنصاره في الساحات بعد انسحاب التيارات الثورية الأخرى منها ليلعب على مستوى المسارين السياسي والثوري في نفس الوقت.
مؤخرا بعد دفن رفاة مؤسس الحركة بدأ الحوثيون باستغلال حشد أنصارهم بالمناسبة للمزيد من التصعيد، لدرجة الضغط بالتهديد بالانسحاب من مؤتمر الحوار الوطني، مجبرين الرئيس هادي على التوجيه باعتبار قتلى الحركة الذين سقطوا في مظاهرة لهم أمام مبنى الأمن القومي في 13 يونيو الجاري شهداء.
ظل ولا يزال ملف الحوثي غامضا حتى اليوم في التفاصيل التي حولت مجموعة دينية صغيرة إلى تنظيم يزداد قوة وسطوة كل يوم، ولا يُستبعد أن تنتج التشنجات الاخيرة عن أي سيناريو في صعدة لم يحدث حتى الان منذ بدء الحرب الاولى، سواء حربا سابعة او مزيد من التوسع والصلاحيات للحركة هناك.