لم يعد لدى أحد الحق في أن يظل صامتا في اليمن تجاه كل هذا الجنون.
الصمت هنا ليس من ذهب ، بل جريمة, الصمت عن اختطاف الأفراد ومؤسسات الدولة, وشل عمل الحكومة وعزل اليمن خارجيا وداخليا ، هو جريمة خطرة ترتكب ,و تمنح الشرعية والفضاء العام للجماعات الطائفية لملأ فراغ الدولة المصنوع عمدا.
في هكذا لحظات على الناس أن يختاروا مواقفهم بدقة ، بين من هو يمني ينتمي للإنسان اليمني ومكتسباته الديموقراطية والحقوقية الهشة والخجولة ، وبين من يعمل على تغليب مشاريع بدائية تنسف باليمن واليمنيين نحو الهاوية تارة بالدفاع وتارة بالصمت…
بسيطرة الحوثيين العسكرية على مؤسسات الدولة من أدناها إلى أعلاها في العاصمة صنعاء ووضع كبار المسؤولين تحت الإقامة الجبرية ، تواجه الجماعة أسرع عملية عزل سياسية محلية وخارجية ونبذ شعبي واجهته أي جماعة سياسية في تاريخ اليمن , وتخيب حتى آمال المتعاطفين معها بتحولها إلى قوة سياسية إيجابية تساعد على تعزيز الدولة المؤسسية التي طالما طمح إليها اليمنيون.
تقوم بذلك وهي تغامر باليمن نحو التشظي الاجتماعي والمناطقي والطائفي ، وأخطر من ذلك نحو العزلة الخارجية والإقليمية وحتى الداخلية . هل تفكر ولو لثانية بالخسارات الاقتصادية والانسانية الهائلة التي تعرض ويتعرض لها الانسان اليمني بسبب سلوكها المقوض باحترافية للسلم الاهلي خلال الاسابيع الماضية؟
في هذه اللحظات الخبر والجدل ليس “استقالة رئيس” وإنما احتلال ميليشيا لمؤسسة الرئاسة ، والاستقالة لم تأت إلا نتيجة وليست سببا خبريا رئيسيا .
الخبر ليس استقالة حكومة بحاح ، وإنما وضع أعضائها تحت الإقامة الجبرية .
الأهم هو أن عملية سياسية مختلة كان بالإمكان إصلاحها ,تم دفنها بدلا عن ترميمها وتعديل محتويات الخلاف فيها بناء على معطيات وطنية ، وأصبحت السياسة الآن فعل عديم الجدوى ,لأن القوة لا ترى متاحات لاي شيء سواها.
التعامل مع ذلك ، لا يتم بشكل أكثر استخفافية وتمزيقية كالبحث عن الخلاص الفردي عبر وضع الأقاليم الافتراضي المعد بطريقة وبشكل أقل قيمة من الحبر الذي كتب به ,و الذي لا يتمتع بدوره بإجماع شعبي أو حتى نخبوي ,والتصلب هنا كالتصلب هناك ,مع فارق الآلية فقط .
كما ان الداء عندما يهاجم الجسد لا يقتصر على عضو واحد فيه ,بل يبدأ منه لإصابة الأعضاء الأخرى ,ويتسبب في تدمير الجسد برمته.
اذ انه لا يميز بين اعضاء الجسد حينما يستشري، ولا ياخذ بالاعتبار الاعتبارات الشاعرية الغبية ك”العين” او “القلب” او “اليد الايمن” ولا يمنحها استثناء استشراءه.
بل يتفشى في كل انحاء الجسد .. ولذا لا يمكن الهروب منه الا عبر مداواته في مكان انطلاقته ومنبعه اولا . لا بالهروب منه بممارسة “غرغرينة” فردية لباقي اعضاء الجسد.