منذ أواخر آذار/مارس، يقصف التحالف العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية اليمنَ على نطاق واسع في محاولة لدحر الحوثيين، وهم من الشيعة الزيدية المتمرّدة، وحليفهم، الرئيس السابق علي عبد الله صالح. يهدف التحالف إلى إرغام الحوثيين على التراجع وإضعاف قبضة صالح على السلطة. لكن حتى الآن، النتيجة الحاسمة الوحيدة للحرب هي هلاك المدنيين: إذ أسفرت عن مقتل ألف يمني على الأقل، وإصابة الآلاف، كما اضطرّ مئات الآلاف إلى الفرار من منازلهم.

لكن، حتى لو نجحت دول الخليج في نهاية المطاف في طرد الحوثيين، فإن تدخّلها في اليمن مؤشّرٌ على فشلها، خاصة فشل السعودية. فالواقع هو أن أغنى دولة في العالم العربي لجأت إلى قصف أفقر دولة عربية لتغيير ديناميكياتها السياسية. وقد يذهب المرء حتى إلى حدّ القول إن الأزمة الراهنة في اليمن، هي نتيجة مباشرة للجمود الإقليمي على مدى السنوات، لابل العقود القليلة الماضية.

في العام 2011، دفع الربيع العربي اليمن إلى شفا الحرب الأهلية، فيما سعى المتظاهرون إلى إطاحة صالح العنيد. تدخّلت الأمم المتحدة من خلال صياغة نموذج للانتقال السلمي، حظي بدعم الدول الست في مجلس التعاون الخليجي. وقد أدّت المبادرة إلى انتقال ناجح للرئاسة من صالح إلى الرئيس المؤقت عبد ربه منصور هادي، لكن في ذلك الوقت لم تكن دول الخليج منخرطة بعمق في العملية، بل لعبت فقط دوراً محدوداً في انتقال السلطة؛ إذ كانت منشغلة بأمور أخرى. فالسعودية، على سبيل المثال، كانت منهمكة بدعم تغيير القيادة في مصر، وكانت دول الخليج ككلّ تسعى إلى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سورية.

هذه البلدان نفسها ظلّت على هامش الأحداث فيما انفرط عقد مبادرة مجلس التعاون الخليجي التي أدارتها الأمم المتحدة. بعد خروج صالح، تركّزت عملية انتقال السلطة التدريجي على بناء التوافق بين النخب اليمنية. وقد أثبت هادي أنه قائد غير كفؤ وعاجز عن توفير الأمن المادي أو الاقتصادي لبلدٍ غير مستقر. فمع الوقت، وفي حين تولّى كلٌّ من الرئيس هادي ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، جمال بنعمر، قيادة عمليةَ السلام، وكانا منهمكَين بعقد اجتماعات في فنادق العاصمة ذات النجوم الخمس، بدأت مجموعات مسلحة مثل الحوثيين بالاستيلاء على مناطق واسعة من البلاد. وهنا يقع اللوم على المجتمع الدولي أيضاً. ففي العام الفائت، وسَعياً إلى وقف تمدّد الحوثيين العنيف في أرجاء اليمن، عاقب مجلس الأمن قادتهم بفرض حظر سفر عليهم وتجميد أصولهم. لكن بما أن الشخصيات المعنيّة لاتسافر إلى خارج اليمن قط وتتعاطى حصراً بالأموال النقدية، كانت هذه العقوبات بمثابة مهزلة.

مع أن بلدان الخليج دعمت مصر بمليارات الدولارات من المساعدات والاستثمارات أثناء مرحلتها الانتقالية، إلا أنها اكتفت بدور إشرافي خجول في اليمن. فهذه البلدان شاهدت اليمن يغرق قبل الربيع العربي بفترة طويلة، ومع ذلك لم تسعَ قط إلى إنقاذه. والواقع أن اليمن طلب طوال عقودٍ الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، لأن الاندماج قد يضع حدّاً للقيود المفروضة على العمّال اليمنيين في الخليج، ويوفّر بالتالي فرص عمل لشباب اليمن. بيد أن جيران اليمن الخليجيين تجاهلوا هذا الطلب. ومع أنهم لم يقدّموا سبباً رسمياً لرفضهم هذا، إلا أنه واضح تماماً أن اليمن أكثر فقراً من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وأنه الجمهورية الوحيدة في هذا النادي من الملكيات.

بلدان الخليج ليس فقط مذنبة لأنها غضّت الطرف عن احتياجات جارها الجنوبي الأقل حظاً، بل هي تاريخياً عاقبت أيضاً الشعب اليمني على قرارات قادته. في العام 1990، دعم الرئيس صالح قرار الرئيس العراقي السابق صدام حسين باجتياح الكويت. وبدلاً من محاولة إخراج صالح من السلطة، ردّت السعودية بطرد أكثر من مليون عامل مهاجر يمني من أراضيها في اليوم الثاني لدخول صدام إلى الكويت. شكّلت هذه الخطوة صدمة للاقتصاد اليمني الضعيف أصلاً، إذ أنه كان عاجزاً عن استيعاب العائدين كلهم. إضافة إلى ذلك، خسر اليمن مليارات الدولارات من التحويلات المالية التي كان عمّاله يرسلونها إلى ديارهم، علماً أن البلاد لاتزال تعاني من تأثيرات هذا الترحيل الجماعي. كما علّقت السعودية المساعدة لليمن، التي كان يستخدمها هذا الأخير لبناء البنية التحتية الأساسية مثل المدارس والمستشفيات والجامعات والطرق.

لاتزال السعودية، حتى في الوقت الراهن، تعاقب اليمنيين على هيارات تتّخذها نخبهم. فبدلاً من معاقبة الحوثيين مباشرةً (تحول الحصارات دون تدفّق الغذاء إلى البلاد، وتتسبّب بمجزرة صامتة وبطيئة بحق الشعب اليمني)، أو من محاولة معالجة القضايا التي أتت بهم إلى السلطة (مثل افتقار اليمن إلى قادة أكفّاء)، شنّت السعودية حملة عسكرية من دون رؤية واضحة وطويلة الأمد لإخراج اليمن من هذا الصراع الجديد.

ينبغي على المجتمعَين الإقليمي والدولي، لمساعدة اليمن على الخروج من الهاوية التي وقع فيها، أن يُعيدا النظر في وسائلهما للتوسّط من أجل السلام في البلد المُحاصَر بالأزمات. فأيٌّ من مسودة الدستور الحالية أو التقسيم الفيدرالي المُقترَح لمناطق اليمن لايحظى بالإجماع أو الشعبية في البلاد. والواقع أن معارضة الحوثيين لهذه الحلول السياسية المزعومة ساعدتهم في الوصول إلى سُدّة الحكم. لن تنجح عملية إنشاء دولة يمنية جديدة من خلال وضع دستور جديد أو نظام فيدرالي، إلا إذا عادت مؤسسات الدولة إلى العمل مجدّداً. ولذا، ينبغي أن تنطلق خطة السلام من الواقع الراهن، لا أن تتحوّل إلى خطة مستقبلية طموحة بشكلٍ مفرط.

والأهم أن على القوى الإقليمية، ولاسيما دول الخليج، أن تُعيد تقييم سياساتها تجاه اليمن. فمن الواضح أنه، حتى لو تكبّد الحوثيون هزيمة عسكرية، لن تتم معالجة أسباب صعودهم العسكري والسياسي، وهي: المستوى المعيشي، والتهميش السياسي، وضعف الحكومة. لذلك، ينبغي ألا تكون معايير تقييم النجاح في اليمن عسكرية. فعوضاً عن إنشاء نظام إقليمي جديد يُركِّز بشكلٍ ضيّق على مواجهة إيران، يمكن لمجلس التعاون الخليجي أن يكون نموذجاً للتعاون الإقليمي. لكن هذا لايمكن أن يتحقق طالما أن اليمن لايزال خارج هذا المجلس. وبالطبع لايمكن أن يتحقق ذلك أيضاً إذا كانت سياسة مجلس التعاون الخليجي تجاه اليمن تنطلق من دوافع طائفية. إذ ينبغي معاقبة الحوثيين على أفعالهم، لا على طائفتهم.

ينبغي بالدرجة الأولى إشراك قوى أكثر حيادية، مثل عُمان والاتحاد الأوروبي، في خطط السلام الإقليمية والدولية. فبإمكانهما المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وضمان وصول مايكفي من الإمدادات الغذائية والمستلزمات الطبية إلى البلاد. ويمكن لهذَين اللاعبَين المحايدَين أيضاً تجديد التزامهما تجاه اليمن من خلال وضع الأولويات الاقتصادية والمحليّة قبل التنافس الإقليمي. فالقضية الأهم في اليمن الآن هي أن أكثر من نصف السكّان يعانون من الجوع. لذا، لاينبغي أن تكون الأولوية لَيّ ذراع طهران عبر صنعاء.

ينبغي النظر إلى تعيين خالد محفوظ بحاح مؤخّراً في منصب نائب رئيس الجمهورية اليمني على أنه فرصة لإبعاد السلطة عن الرئيس الراهن هادي، واستبداله في نهاية المطاف. وهي أيضاً فرصة أمام دول الخليج للتعبير عن التزامها بتحقيق النمو الاقتصادي والسياسي في اليمن، عوضاً عن استخدام البلاد كساحة صراع بين الخصوم الإقليميين.

إذا لم يعمل المجتمع الدولي والدول الإقليمية على إنقاذ اليمن، سيكون من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه البلاد. قد يكون مصير اليمن مشابهاً لمصائر سورية أو ليبيا أو العراق، أو حتى أسوأ من ذلك: فهو قد يتحوّل إلى مزيج سقيم مما حلَّ بالدول الثلاث.

نُشِر المقال أساساً باللغة الإنكليزية في مجلة فورين أفيرز.

10