في 25 آذار/مارس 2015، بدأ المسلّحون القبليّون الموالون للحوثيّين في اليمن، إلى جانب القوى العسكريّة إحكام حصارهم على مدينة عدن جنوب البلاد التي أعلنها الرئيس عبد ربّه منصور هادي عاصمة موقّتة بعد فراره إليها من صنعاء قبل أكثر من 6 أسابيع.
وقبل ذلك بأسبوعين، كان مسلّحو الحوثي بالاشتراك مع بعض وحدات الجيش اليمنيّ الموالي لهم، يجرون مناورة عسكريّة في محافظة صعدة على الحدود الجنوبيّة للسعوديّة. ربّما كانت هذه الأنشطة الحوثيّة هي السبب المباشر الذي أدّى إلى شنّ أكبر عمليّة قصف تتعرّض إليها اليمن على الإطلاق، وهي بلد لم يخض حرباً مع دولة أخرى منذ 80 عاماً، لكنّه تمزّق بفعل حروبه الداخليّة المستمرّة مثل الحرب الحالية بين القوات هادي والحوثيين، ومن قبل بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والجيش، و 6 حروب 2004-2009 في محافظة صعدة بين الحوثيين والحكومة.
فمطلع الخميس في 26 آذار/مارس 2015، كان لحظة فارقة في تاريخ اليمن المعاصر، حين استيقظ سكّان صنعاء على أصوات تفجيرات مرعبة لم تتوقّف حتّى الآن.
تصاعد خطر الحوثيّين في اليمن على السعوديّة التي ترى فيهم ذراعاً لإيران، خصمها التقليديّ، وأصبح الرئيس الشرعيّ لليمن محاصراً في عدن، بعدما فرّ من إقامة جبريّة استمرّت شهراً كاملاً فرضها عليه الحوثيّون في منزله في صنعاء، حتى تمكنّه من الفرار في الذكرى الثالثة للاستفتاء عليه رئيساً للجمهوريّة في 21 شباط/فبراير 2015. وإذا ما سقطت عدن في قبضة الجماعة، يكون أنصار الله الحوثيّون قد أحكموا سيطرتهم على مناطق رمزيّة واسعة من البلاد وخاصة مطار عدن الدولي ومضيق باب المندب، يمكنهم معها ادّعاء سيطرتهم عليها من دون منافس. وإضافة إلى ذلك، فقد اعتبر ذلك تهديداً لأحد أضخم الممرّات النفطيّة في العالم، ولعباً بالنار مع امبراطوريّة ضخمة من النفط والاقتصاد عابرة للقارّات.
لم تكن المقدّمات أعلاه مفاجئة، فطالما كان تقدّم الحوثيّين من معقلهم شمال البلاد، مصدر قلق غير مسبوق للرياض منذ منتصف العام الماضي. وقد بلغ ذروته في أيلول/سبتمبر الماضي، حين أحكم هؤلاء قبضتهم على صنعاء، وأصبح كلّ شيء فيها تحت هيمنتهم الفعليّة، بما فيها مؤسّسة الجيش والأمن.
في 21 آذار/مارس، شهدت السعوديّة اجتماعاً هامّاً بين قيادات أمنيّة سعوديّة رفيعة، وممثّلين عن دول الخليج الأخرى، يبدو أنّه وضع اللمسات الأخيرة على عمليّة سريّة يجري الإعداد لها ضدّ اليمن، وذلك بعد قرابة أسبوعين فقط على إجراء الحوثيّين، بالاشتراك مع وحدات من الجيش اليمنيّ الموالي لهم، مناورة عسكريّة بالذخيرة الحيّة والأسلحة الثقيلة على حدود المملكة.
بدأت العاصفة بقصف أهداف نوعيّة، أصابت الدفاعات الجويّة اليمنيّة بالشلل، حيث قامت قرابة 185 طائرة حربيّة حديثة أغلبها سعوديّة بتدمير أهداف عسكريّة أبرزها قاعدتا الديلمي والعند الجويّتان، وتدمير مخازن أسلحة في صنعاء وصعدة، ومعسكرات القوّات الخاصّة وقوّات الاحتياط الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح غرب العاصمة صنعاء وجنوبها. وفي تلك الأثناء، كان الرئيس هادي يتوجّه إلى حضور القمّة العربيّة الــ26 المنعقدة في شرم الشيخ في 28 آذار/مارس، بعد اضطراره إلى التوجّه إلى سلطنة عمان برّاً، ومنها إلى الرياض التي ترعى عمليّة إعادته إلى السلطة بقوّة مقاتلات إف 16 الأميركيّة.
وجّه هادي خطاباً إلى القادة العرب، طالبهم فيه باستمرار قصف الحوثيّين الذين وصفهم بـالدمية في يدّ طهران، ردّاً على وصف زعيمهم عبدالملك الحوثي له بكونه دمية في يدّ السعوديّة وأميركا. ومنحت القمّة عمليّة عاصفة الحزم ضدّ اليمن، شرعيّة العمل تحت مظلّة الجامعة العربيّة، حسب اتّفاقيّة الدفاع المشترك، ناهيك عن المادّة 51 من البند السابع لميثاق الأمم المتّحدة، التي تخوّل المجتمع الدوليّ التدخّل العسكريّ في البلدان الواقعة تحت طائلتها.
ومنذ بداية القصف، ضهر زعيم الحوثيّين في خطاب تحدّ لم يقدّم فيه تنازلاً واحداً، أو يصدر ما ينبئ أنّه يعبأ لأمر القصف أو يخاف من عواقبه، بل دعا إلى تشكيل جبهات داخليّة لمواجهة الاعتداء الأميركيّ–الصهيونيّ، على حدّ وصفه، بينما تواصل قوّاته زحفها جنوباً، وتجري حرب شوارع في كلّ من الضالع ولحج وعدن، جنوب البلاد.
لم يسبق أن قام تحالف عسكريّ عربيّ تحت مظلّة الجامعة العربيّة ضدّ بلد عربيّ، لكن يبدو أنّ سياسة الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز تخطو في طريق أخرى، غير تلك التي رسمها سلفه عبدالله، سواء تجاه اليمن، أم دول الخليج الأخرى. فقد استطاع مثلاً العودة بقطر إلى الاصطفاف نفسه، في ما يتعلّق باليمن، إلى أن تكون في إطار واحد مع نظام السيسي في مصر الذي طالما وصفته بالانقلاب. وربّما كانت الدول المشتركة في عمليّة عاصفة الحزم، قد رتّبت أمورها في وقت سابق لحصار الحوثيّين في عدن أو قصف القصر الرئاسيّ هناك بالطائرات الحربيّة، وإجراء مناورات على الحدود السعوديّة، أو حتّى تفعيل اتّفاقيّة نقل جوّي مع طهران أثارت الجدل أواخر شباط/فبراير الماضي.
الأطراف السياسيّة اليمنيّة صامتة في شكل ملحوظ، فالتدخّل الخارجيّ في اليمن موضع حساسية شديدة. لم يرفض عمليّة عاصفة الحزم رسميّاً سوى حزب المؤتمر وأنصار الله اللذين يشكّلان هدفي هذا القصف رسميّاً كقوّات عسكريّة، وليس سياسيّة. لكنّ القوى الأخرى التي كانت على خلاف مع الحوثيّين، الذين قاموا بإجراءات غير وديّة ضدّها كاقتحام مقرّات واعتقال أعضاء، خصوصاً من الإخوان المسلمين، لم ترفض علناً هذه الضربات، كما لم ترحّب بها علناً.
لكنّ الشارع اليمنيّ انقسم عمليّاً بين مؤيّد ومعارض ففي حين أن الغالبية العظمى من اليمنيين تتفق على أن إجراءات الحوثيين وسلوكهم كانت إشكالية بالنسبة لليمن واليمنيين، لا يتفق اليمنيون على إذا كان التدخل الأجنبي هو أفضل وسيلة لمعالجة هذه المسألة.
وباستثناء تغيّرات مواقف النخبة الثقافيّة في شكل ملموس، حتّى أولئك المعارضين للحوثيّين الذي ميّزوا بين معارضتهم لهم وإقرار تدخّل أجنبيّ في شأن بلدهم، فإنّ الموقف العامّ من الضربات يتوازى مع العلاقة الجغرافيّة والسياسيّة والطائفيّة في شكل أقلّ، بجماعة أنصار الله، إذ يرى خصومها في ضربات التحالف تأديباً لها لغطرستها في تعاملها مع شركائها السياسيّين بمنطق الغلبة والاستقواء. ويزداد عددهم كلّما اتّجهنا وسط البلاد وجنوبها، بينما يرى أنصارها أنّ هذا تدخّل خارجيّ يجب رفضه بغضّ النظر عن الموقف من الحوثيّين، لأنّه يستهدف اليمن بكاملها وليس الجماعة فحسب. هذا التيّار يتوسّع نسبيّاً في حال تكثيف الضربات أو إصابتها أهداف مدنيّة، كما حدث في مخيّم المزرق، حيث قتل في غارة جويّة عليه مساء 30 آذار/مارس أكثر من 40 مدنيّاً وجرح العشرات.
لا يوجد حتّى الآن خطّ زمنيّ واضح لهذه الضربات في اليمن، ولا يبدو في التوازي أنّ هناك أيّ نيّة للحوثيّين وقوّاتهم للتراجع عن عدن، وهما أمران ينذران باقتتال أهليّ يهدّد اليمن، وقد يدوم لعقود.
في 30 آذار/مارس، أعلنت المفوّضيّة السامية لشؤون اللاجئين في أرض الصومال، وصول الدفعة الأولى من اللاجئين اليمنيّين الفارّين من الحرب في بلادهم، وهو مؤشّر يدقّ ناقوس الكارثة، عمّا تحمله هذه الحرب لليمنيّين في الأيّام المقبلة.