قام بكتابة هذا المقال فارع المسلمي وعلاء قاسم
تمر الولايات المتحدة بأكثر فتراتها غموضا وقلقا تجاه اليمن، خاصة بعد تخطي مؤتمر الحوار الوطني لسقفه الزمني بــ3 أشهر كاملة، ولم تتضح بعد ملامح المرحلة القادمة لما بعد الحوار، وتدور في دهاليز واشنطن الكثير من النقاشات والجدل عن اليمن وما الذي يجب عمله فيها، ومعرفة إلى أين تتجه هذه البلاد أيضا.
مع تصاعد القلق والاهتمام الأمريكي بخصوص اليمن، عقد الكونجرس الأمريكي في النصف الثاني من نوفمبر جلسة استماع استدعى فيها وكيلة وزارة الشؤون الخارجية للحديث عن اليمن والبحرين وسلطت الجلسة أغلب الوقت لمناقشة وضع اليمن، فالقلق هو السمة الأبرز لما يعتري أمريكا تجاه اليمن. قلق عن / من عدم انتهاء الحوار، انقسام المؤتمر الشعبي العام، تنامي التحديات الأمنية، ضعف الأداء الحكومي، أداء الرئيس، تدخلات الرئيس السابق، الوضع في الجنوب، وامور أخرى تتفاوت اهميتها لدى واشنطن.
قلق ما بعد الحوار:
تتضارب رؤى مرحلة ما بعد الحوار الوطني لدى صناع السياسة الأمريكيين العاملين على ملف اليمن فبين فك شفرة معادلة الضغط باتجاه الإنهاء السريع للحوار الوطني وتشجيع استكمال جميع القضايا الرئيسية العالقة بشكل سلس ومرضي لجميع الأطراف يظل صناع السياسة الأمريكية عالقين..
أمريكا من ناحية تنظر إيجابا نحو حقيقة انعقاد المؤتمر وما وصل إليه حتى الآن لكنها في نفس الوقت راغبة بشدة في إنهائه وعلى وجه السرعة، معبرة عن أملها في استمرار مناقشة تعقيدات القضايا اليمنية المختلفة خاصة القضية الجنوبية بشكل أكثر تركيزا في المرحلة القادمة وخاصة أن الأمريكيين قلقون من أن لجان القضية الجنوبية لم تحرز تقدما ملحوظا في عملها وأن الاستمرار بالوتيرة الحالية والأسلوب الحالي قد لا يكون مجديا وكلفته المالية والسياسية عالية جدا.
لكن في نفس الوقت الذي ترغب أمريكا بإنهاء مؤتمر الحوار الوطني، تريد ذلك بأسهل طريقة ممكنة، معتقدة أن الإنهاء المفاجئ للمؤتمر قد يسبب سخطا – أشكاله غير سلمية بالضرورة – من قبل الأطراف /الأفراد المشاركين فيه والتي ستخسر بمجرد انتهاء الحوار كرتا وفر لها إطارا لتحقيق بعض المصالح والانتصارات.
إن الساسة الأمريكيين يعترفون بأن إطالة الحوار الوطني أثرت سلبا على أداء الدولة في اليمن كما أدت إلى تأجيل تقديم أمريكا لمساعداتها في سبيل إحراز تقدم في قضايا أخرى كهيكلة الجيش نظرا لانشغالها بالحوار، وعلى اعتبار أن عامل الوقت حاسم أيضا للحكومة اليمنية التي يجب عليها استغلاله في مواجهة قضايا تنموية وأمنية أخرى ملحة.
وهناك مصدر قلق إضافي يتمثل في العرقلة الواضحة لبعض الأطراف لتقدم العملية السياسية في اليمن، حيث أن صناع السياسة الأمريكيين لم يستبعدوا تفعيل القرار الرئاسي الذي أصدره الرئيس أوباما لوزارة الخزانة بتجميد أرصدة من قد يعرقل اليمن المرحلة الانتقالية.
قلق الرئيس هادي:
تشعر الولايات المتحدة بالكثير من الرضى عن أداء الرئيس هادي في الشئون العسكرية وبعض الأمور السياسية، لكنها قلقة من فشله في احتواء حزب المؤتمر الشعبي العام، بل وما ترى أنه سوء سياسة قد تؤدي إلى انقسامه بينه وبين الرئيس السابق صالح.وقد عبر أحد المسؤولين الأمريكيين عن استغرابه في أن يذهب الرئيس هادي إلى الصين بينما المؤتمر –برأيه- على شفا الهاوية في تلك اللحظة، فالولايات المتحدة بالقدر التي هي قلقة من سيطرة صالح على المؤتمر على حساب إضعاف هادي، ترى أن عدم اتخاذ هادي خطوات أكثر جدية لتوحيد المؤتمر الشعبي العام تحت قيادته قد يؤدي إلى فشل المؤتمر الشعبي العام الأمر الذي سيكون له تداعيات سلبية على الوضع السياسي في البلد ككل.
قلق الحكومة:
أما أداء الحكومة الانتقالية في اليمن فقلق أمريكا ينبع من تباطؤ الأولى في تنفيذ النقاط العشرين (متعلقة بحلول للقضية الجنوبية وصعدة)، ومن استمرار ارتفاع نفقاتها على الرواتب والوظائف الوهمية خاصة في السلك العسكري مع الاستمرار في دعم المشتقات النفطية والذي يكلف ميزانية البلد قرابة 25% من إجمالي النفقات الحكومية، بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة الفساد الذي حرم اليمن ملايين الدولارات كان يمكن أن تحصل عليها اليمن من واشنطن لو حققت مؤشرات أفضل في معايير الألفية.
قلق الأمن:
لا يزال الأمن هو الهاجس الأكبر والكابوس المرعب للولايات المتحدة من اليمن، وبالرغم من أن سياستها على الورق تجاه اليمن شاملة ومتكاملة، إلا أن التطبيق الفعلي يغلب الأمن على كل البنود الأخرى ويغيب كل شيء آخر حينما يبرز إلى العلن أي قلق امني، فعلى سبيل المثال وخلال زيارة الرئيس هادي الأخيرة لواشنطن، فإن أغلب مباحثاته مع المسؤولين الامريكيين وحتى مع الرئيس الامريكي نفسه تركزت على الجوانب السياسية والتنموية، لكن كل ذلك تبخر بمجرد رصد مكالمة أيمن الظواهري مع قادة القاعدة في اليمن، فأطلقت الولايات المتحدة عاصفة صواريخ الطائرات من دون طيار وأجلت رعاياها من اليمن بمجرد عودة الرئيس هادي إلى اليمن، ولم تعبأ لتأثير هذا التصرف على الذي غادرها للتو بتوقعات لم يكن القصف وإثارة المخاوف الدولية من بلده بتلك الدرجة واحدا منها.
علاوة على ذلك، فأن عدم عدم اتساق خطاب أوباما بشأن عمل الطائرات الأمريكية بدون طيار في اليمن مع التصرفات المباشرة في هذا الملف كإعلانه تخويل البنتاجون بدلا عن جهاز الاستخبارات (C.I.A)في إدارة بعض عمليات الطائرات من دون طيار، لكن حتى الان لا تزال السياسة السابقة هي الوحيدة الفاعلة.
بنفس السياق، ترغب الولايات المتحدة في العودة إلى المباحثات حول المساعدات العسكرية وهيكلة الجيش بعد انشغالها بالحوار الوطني، إلا أن صناع القرار في واشنطن مصابون ب”فوبيا بنغازي” بعد الهجوم بداية هذا العام على سفارتها في ليبيا وأدى إلى مقتل سفيرها هناك، بمعنى آخر هي شديدة القلق والحذر من إرسال أي خبراء عسكريين أو حتى عددا أكبر من الدبلوماسيين إلى اليمن وهو أمر أدى تقريبا إلى توقف أغلب الدعم العسكري لليمن حتى يستقر الوضع الأمني في البلد المشهد الذي يبدو متناقضا أو غير مفهوما.
ينعكس قلق امريكا من بنغازي جديدة حتى على التعيينات الدبلوماسية فهناك العشرات من التعيينات الدبلوماسية في واشنطن التي تنتظر موافقة الكونجرس عليها، لكنه حتى الان لم يوافق على اي منهم حتى توافيه ادارة اوباما باجراءتها الجديدة المتخذة لحماية هؤلاء الدبلوماسيين في الخارج. واليمن هي احدى الدول التي لايزال تعيين سفير جديد اليها رهين هذه المشكلة فبالرغم من تداول النقاش بتعيين السفير الامريكي السابق الى الكويت او السفيرة السابقة الى لبنان، سفيرا الى اليمن الى ان ذلك لا يزال حبيس الادراج ورهن المفاوضات السياسية في واشنطن
لكنها في نفس الوقت شديدة الحماس للدعم العسكري وراغبة في تفعيله بشكل أكبر وخاصة للقوات الجوية اليمنية لأنها تراها القوة الأكثر نظاميا واحترافا والتي يمكن أن تميز الدولة عن الميليشيات الخارجة عن القانون
خلاصة أخيرة:
يبدوا كما لو أن أمريكا بنت توقعاتها على فرضية نجاح مؤتمر الحوار الوطني في اليمن، ورمت بثقلها في هذا الجانب، دون التوغل في القوى اليمنية النافذة (تنظيمات وشخصيات) وآلية اتخاذ القرار فيها في المراحل الحاسمة، خاصة مع إعادة تموضعات الكثير من هذه القوى في مرحلة ما بعد صالح، وممارستها للعبة السياسية بدون قواعد مسبقة تمكن الساسة الأمريكيون من التنبؤ بها، ولهذا كانت التغيرات على الأرض تضغط على صانع القرار الأمريكي لاستيعابها بشكل أسرع قبل التعامل معها، لكنه عجز في لحظات عن استيعابها، فاصابه ذلك بتيهان اكثر وقلق اكثر من هذه الاطراف.
ترى أمريكا أيضا انها ليست الطالب الأذكى والأقوى الذي ينتظر منه الساسة اليمنيين إيجاد حلول للمسائل المستعصية كالعادة، ولذلك فانها لا تريد مرة اخرى بروز دور اكبر لها في السياسة اليمنية، لكنها على استعداد لفرض عقوبات سريعة وعاجلة على اي طرف يعرقل التسوية السياسية التي كانت هي ابرز متبنيها منذ 2011.