في العام 2011 ، كان الجميع يشككون كثيرا في قدرة الرئيس هادي على السيطرة على الجيش ، وعلى الأدق لم يكن أحد يتوقع أن يستطيع الرجل سحب الحرس الجمهوري والأمن المركزي من سيطرة صالح وأقاربه بأي وسيلة كانت.
. وفي نفس الوقت ، لم يكن أحد حتى يشكك في تناغم المؤتمر الشعبي العام مع هادي والتزامه بقيادته , حيث بدا المشهد كأن سحب الجيش من أيادي صالح يبدوا محالاً ، لكن سحب المؤتمر منه يبدوا ممكنا بل و بديهيا.
لكن ومنذ حينها ، يستمر الرئيس هادي في إثبات شخصيته وقدراته ك”قائد عسكري” ، على حساب شخصيته و قدراته وشخصيته ك “قائد سياسي”.
. لم يكن تعامل الرئيس هادي الاستثنائي مع مجزرة العرضي ، وإقالته للقمش وأحمد علي ، وأهم من أولئك علي محسن الأحمر بكل هدوء و اقتدار ، إلا دليلا على غلبة “العسكري” بداخله على حساب السياسي ، خاصة إذا ما قورن ذلك بالفشل الذريع لمؤتمر الحوار الوطني الذي لم يخرج منه بأكثر من معرفة – وبناء على ذلك تقريب -المخلصين له الذين لا يطرحون عليه الأسئلة الصعبة .
كما أن فشله في احتواء المؤتمر الشعبي العام الذي يرتبط مستقبله منطقيا وعمليا وبرجماتيا (المؤتمر) بهادي أكثر من صالح , يصب نفس المجرى وهو فشل “السياسي” لصالح “العسكري” في الرئيس هادي. .
الأمر ليس تفضيلا لشخصية على الأخرى ، ولا يمكن أيضا التعامل مع كل شخصية على حدة ، إذ أن أي بلد في العالم يحتاج لرجال سياسة ورجال جيش في نفس الوقت ، ويحتاج أن يتمتع الرجل الاول في البلد بمزيج من القدرتين والعقلين/الشخصيتين ، تلك التي يملكها السياسي وتلك التي يملكها العسكري
. إنما لا يجب أبدا ممارسة أي من الوظيفتين (السياسية و العسكرية) ، بأدوات الأخرى ,مع أن بالإمكان عادة – بل يفضل – تحقيق مكاسب عسكرية بأدوات سياسية ، إلا أنه لا يمكن مطلقا – على الأقل في المعارك الداخلية – محاولة تحقيق مكاسب سياسية بأدوات عسكرية , كون ذلك على الصعيد العملي والوطني ويفصح عن غياب بصيرة , بل يمكن اعتباره كارثيا لأنه يرسم ملامح ما قبل انفجار الدولة وفي أقل التقديرات تحولها عن مساراتها الطبيعية والتي تقود عادة إلى مسارات وآفاق مسدودة في تعامل الأطراف السياسية مع بعضها البعض , لأنه يدفع بالأطراف السياسية خارج السلطة إلى التفكير في حماية نفسها بتلك الأدوات التي تستخدمها السلطة ,وبهذه الطريقة تبدأ الميليشيات تكونها ، وتزدهر تلك التي هي في حكم الواقع. وذلك هو استجابة لمنطق هذه الجماعات التي لم تعد مسؤولة باي درجة عن الدولة ، كونها لم تعد كما في السابق مسؤولة الدولة والمافيا معاً ، لذا فلا يهمها تدمير الدولة هذه المرة.
وتثبت تجارب اليمنيين- وغير اليمنيين- من 94 إلى حروب صعدة ,عبثية استعاضة الأدوات السياسية بالعسكرية,فمحاولة تحقيق مكاسب سياسية بأدوات عسكرية هو أشبه بمحاولة لعب “البلاي ستشن” بواسطة أسلحة حقيقية ، بدلا من وصلات التحكم الالكترونية والافتراضية.
. الأمر الأكثر تعقيدا أن المرحلة التي وصل فيها هادي لكرسي الحكم ,تتطلب عبقرية سياسية,بنفس القدر الذي تتطلب فيه عبقرية عسكرية – والأخيرة مقتصرة على الداخل – لهذا فإن كل تصرفاته وقراراته موضوعة على المحك بأكثر من المعتاد ,ما يتحتم على الرجل – اكثر من اي رئيس في اي بلد وفي اي مرحلة اخرى- ان يحرص على عدم الخلط بين الاداتين والتفكير باي منهما بعقلية الاخرة ( السياسي والعسكري ) .
وفي كل الاحوال ، فان الاجراءات الاخيرة لهادي في ظل انعدام الشفافية والتعتيم المعلوماتي والتصريحات الرسمية المتضاربة امور تشي بخلط بين الاداتين ، في مرحلة لا تستطيع البلد فيها تحمل كلفة المزيد من الخلط والاخطاء ، خاصة من قبل الصعيد الرسمي.
” ان ادهى انتصار في الحرب ، هو اخضاع العدو دون قتال” صن تزو – فن الحرب
** الصورة للرئيس هادي في مجمع العرضي يوم مهاجمته من قبل القاعدة