يوم السبت في 12 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، انتشر في شوارع العاصمة اليمنيّة صنعاء 15 ألف عنصر من الحرس الرئاسي وقوات الأمن الخاصة والاستخبارات، وذلك فقط لتأمين انتقال الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مقرّ الاحتفال بتخرّج بعض الدفع العسكريّة على بعد كيلومتر واحد من دار الرئاسة. وبحسب صحيفة “الشارع” المحليّة فإن هادي يخشى من محاولة اغتياله، بخاصة مع إحباط الأمن محاولة لاغتياله قبل أشهر.

وفي اليمن، الرئيس ليس وحده من يخاف الاغتيال. فبوصلة الموت لم تعد موجّهة صوب القيادات العليا أو حتى الأمنيّة فحسب، وإنما غالباً إلى ضباط الصف الثاني في الأمن والجيش والمدنيّين كذلك. وقد وصل عدد من سقطوا منهم في اغتيالات فرديّة إلى أكثر من مئة ضابط في خلال العامَين الأخيرَين.

لقد أصبح من المعتاد أن تتلقى بشكل شبه يومي خبر اغتيال أحد ضباط الأمن أو الجيش اليمني من قبل مسلحين يستقلون دراجات ناريّة، حتى تحوّل اسمها لدى اليمنيّين إلى “دراجات الموت”. وبالتالي تُعتبَر ظاهرتا الدراجات الناريّة والطائرات الأميركيّة من دون طيار من ملامح اليمن المرعبة مؤخراً، مع اختلاف الهدف والوسيلة.

وكانت عمليّة اغتيال اللواء سالم قطن قائد المنطقة العسكريّة الثانية في تموز/يوليو 2012 من أكثر العمليات إيلاماً، فهو كان قد نجح حينها في دحر “القاعدة” من أبين. وكانت بصمات “القاعدة” واضحة في اغتيال اللواء قطن، الذي اعتبر من الاغتيالات القليلة البارزة التي تحمل دوافع أمنيّة واضحة.

وأثناء كتابة هذا التقرير، تمّ اغتيال العميد عمر بن فريحان في محافظة حضرموت جنوب البلاد بعد 24 ساعة فقط من اغتيال العقيد عبدالله التميمي مندوب الأمن في جامعة حضرموت في المحافظة نفسها.

وقبل أيام أيضاً، اغتيل موظف في السفارة الألمانيّة في قلب العاصمة صنعاء بعد يوم من مناقشة  بند “العزل السياسي” في مؤتمر الحوار الوطني والذي كان يرمي إلى محاولة استبعاد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من رئاسة حزبه.

وعمليات الاغتيال في اليمن لم تعد عمليات تقليديّة بدوافع أمنيّة، إذ إنه في أيلول/سبتمبر من العام 2012 اغتيل مدير إداري في مستشفى الثورة في صنعاء وفي اليوم نفسه من العام 2013 وجد المدير الجديد للإدارة نفسها مقتولاً في المكتب نفسه وبالوسيلة نفسها من دون التوصّل إلى سبب القتل أو من يقف وراءه.

وقبل أكثر من شهر أيضاً، اغتيل ضابط كبير في الدائرة الماليّة للقوات العسكريّة، وهو أمر خارج السياق المعتاد للقاعدة التي لا تستهدف عادة إلا القادة العسكريّين الذين يعملون بشكل مباشر لمواجهتها.

وقبل أشهر من ذلك، اغتيل المحامي اليمني حسن الدولة والذي كان محامي “مجزرة الكرامة” التي وقعت في آذار/مارس 2011 والتي ما زال المسؤولون الفعليّون عنها مجهولين، في حين يتبادل رئيس الجمهوريّة السابق علي عبدالله صالح واللواء علي محسن الأحمر الاتهامات بشأن وقوف كلّ واحد منهما وراءها.

لكن ذلك ليس السؤال الوحيد المتعلّق بالاغتيالات الأمنيّة في اليمن مؤخراً وإنما عدم تعرّض أي من الأطراف العسكريّة التقليديّة التي انقسم الجيش اليمني في ما بينها في العام 2011، لأي محاولة اغتيال على الرغم من تبوّئها مراكز عالية في الجيش. هو أمر يثير العديد من الأسئلة حول المستفيدين الفعليّين والمسؤولين الفعليّين الذين يقفون وراء هذه الاغتيالات. كذلك فإنه من الصعب تصوّر أي من هذه الأطراف العسكريّة في مواجهة حقيقيّة مع “القاعدة”. فباستثناء الرئيس هادي الذي يواجهها منفرداً بوحدات الجيش التي يسيطر عليها، فإن الوحدات العسكريّة الاخرى ليست في مواجهة مباشرة مع “القاعدة” أو أقلّه لا تشكّل مواجهة “القاعدة” واحدة من أولويّات قادتها.

وعلى أية حال، من الواضح أن عمليات الاغتيال في اليمن تتزايد مع المراحل المفصليّة من عمليّة الانتقال السياسي التي تشهدها البلاد، أي إنها لم تعد مجرّد أعمال إرهابيّة وإنما أعمالاً سياسيّة تصبّ في مصلحة الأطراف المتضرّرة من عمليّة التحوّل السياسي الحالي. إلى ذلك فإن بعضها أيضاً ذي طابع وظيفي يخدم المجرمين من خلال تضليل العدالة. ففي الأوّل من حزيران/يونيو الماضي، اغتيل العميد يحيى العميسي قائد الشرطة الجويّة في مدينة سيئون بإطلاق نار من قبل مسلّحين يقودون دراجة ناريّة. وبعدها تمّ اغتيال مدير البحث الجنائي العقيد عبد الرحمن باشكيل أثناء قيامه بالتحقيق في واقعة اغتيال العميد العميسي، وهو ما وقع أيضاً في صنعاء مع العميد عبدالله الأشول المسؤول الأمني عن التحقيق في عمليّة تفجير إرهابي أصاب وقتل المئات من جنود الأمن المركزي أثناء تدريبات العرض الاحتفالي بمناسبة عيد الوحدة في أيار/مايو 2012.

وعلى الرغم من غموض هذه العمليات، إلا أن مؤشّرات التركيز على ضباط الأمن السياسي (الاستخبارات اليمنيّة) والقوات الجويّة تدلّ في الأولى على نيّة التخلّص من الكوادر الذين يمتلكون كماً هائلاً من المعلومات حول الإرهابيّين كأشخاص وكجهات والذين يشكّلون خطراً واضحاً على هؤلاء الأخيرين. أما الهجمات على القوات الجويّة اليمنيّة، فتدلّ على توجّه أطراف غير واضحة لإضعاف القوّة الأكثر قدرة وتأهيلاً وذات التسليح النوعي الذي لا تمتلكه الأطراف التقليديّة اليمنيّة. ذلك أن القوات الجويّة اليمنيّة تُعتبَر القوّة العسكريّة  الوحيدة التي ترجّح كفّة الدولة في القوّة مع امتلاك الأطراف اليمنيّة أنواع الأسلحة الأخرى كافة باستثناء الطائرات.

ماذا بعد؟

شهدت فترة ما يسمّى بالربيع اليمني 2011 انقساماً حاداً في المؤسّسة العسكريّة ما بين مؤيّد لنظام صالح ومؤيّد لمعارضيه. وربما كان هذا الأمر الأشدّ خطورة على أمن البلاد. فعلى الرغم من عمليات إعادة توزيع الجيش وإزاحة قياداته العليا السابقة، إلا أن عمليات الثأر والصراعات بين مؤسّساته تبعاً لولائها لم تنته بعد. لذا، فإن ما يصعب تحميله لـ”القاعدة” من عمليات الاغتيالات الجارية، يعيده البعض إلى استمرار صراعات السياسيّين واستخدام من يقف معهم من قيادات الجيش كوقود لأهدافهم وثأرهم، أو أقلّه التواطؤ مع الإرهابيّين لتنفيذها.

مع انتهاء جلسات مؤتمر الحوار الوطني وصراع الأطراف السياسيّة حول مخرجاته الأوليّة المتعلقة بشكل الدولة وحلول القضيّة الجنوبيّة، تصاعدت وتيرة عمليات الاغتيال ولم تعلن الأجهزة الأمنيّة حتى الآن نتائج التحقيق في أي من عمليات الاغتيال هذه.

كذلك فإن ارتفاع نسبة ضحايا هذه العمليات من الجنوبيّين يثير مخاوف من ارتباط العمليات بالوضع السياسي ودفع الجنوب إلى الإصرار على الانفصال عن الشمال تحت ضغط هذه المخاطر التي يتعرّض لها، بشكل يعيدنا بالذاكرة إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي عندما تعرّض أكثر من 151 سياسياً للاغتيال معظمهم من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني ممثل الجنوب في الوحدة حينها. وهو ما ساهم في تصعيد الأزمة بين شريكَي الوحدة لتصل إلى حرب استمرت أربعة أشهر في صيف العام 1994.

ما زالت آثار تلك الحرب تشكّل أهم ملامح الأزمة الحاليّة في البلاد. وقد يجرّ استمرار هذه الاغتيالات إلى مواجهات مقبلة تعود باليمن إلى مربّع الدماء ما لم تُتّخذ إجراءات أكثر صرامة لمنع التسلّح ومراقبة عناصر الموت بشكل أكثر فعاليّة.
إن التفجيرات والاغتيالات المستمرّة في اليمن تشبه الوضع الذي عاشه لبنان بعد خروج القوات السوريّة منه في العام 2005 عندما تدهور الوضع الأمني هناك مع تقلّص الفجوة ما بين حافظي الأمن ومقوّضيه.

نشر هذا المقال في Al-Monitor

10