اعترف الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (مؤسّس ورئيس حزب الإصلاح الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين في اليمن) أن تأسيس الحزب في 13 أيلول/سبتمبر 1990، أتى بناءً على اتفاق مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح ليقف “الإصلاح” ضدّ الحزب الاشتراكي اليمني (شريك صالح في الوحدة اليمنيّة) عندما لا يستطيع صالح وحزبه (المؤتمر الشعبي العام) القيام بذلك لأسباب أخلاقيّة باعتباره شريكاً للاشتراكي في إعلان الوحدة (22 أيار/مايو 1990). لكن الشيخ الأحمر توفي نهاية العام 2007 وأصبح الحزب الذي أسّسه اليوم في وضع مغاير تماماً لما كان عليه.. فهو من قاد “ثورة الشباب” ضدّ حليفه السابق صالح في العام 2011 وقد تحوّل نجل الأحمر (حميد) إلى أبرز خصوم صالح.

ويمكن القول أن تحالف الإخوان المسلمين مع نظام صالح ارتبط إلى حدّ كبير بوجود الحزب الاشتراكي اليمني المنافس الأقوى لهما. فهو انطلق عند تأسيس الحزب في عدن في  العام نفسه الذي صعد فيه صالح إلى السلطة في صنعاء (1978). ولاحت نهايته عقب قيام صالح والإخوان معاً بإخراج الحزب الاشتراكي من المعادلة السياسيّة كشريك في الوحدة والسلطة عقب حرب العام 1994. ومن المفارقة أن يتحالف لاحقاً الحزب الاشتراكي أو ما تبقّى منه مع الإخوان ضدّ صالح، في ما يعرف حالياً بتكتّل أحزاب اللقاء المشترك. ذلك أن صالح، ما إن فرغ من ضرب الحزب الاشتراكي حتى توجّه لضرب حليفه التاريخي (الإصلاح)، على مراحل. أما أبرزها، فقراره القاضي بإلغاء نظام المعاهد العلميّة في العام 2001 والتي شكّلت أهمّ مورد بشري وتنظيمي لنشر أفكاره (حزب الإصلاح). وأتى ذلك باعتبار أن المعاهد العلميّة التي أدارها الإخوان المسلمون لقرابة ربع قرن من الزمن شكّلت نظاماً موازياً للتعليم العام وبتمويل حكومي، وقد استقطبوا في خلالها عشرات الآلاف من الطلاب والمدرّسين  الذين أصبحوا وما زالوا بعض أبرز كوادرهم حتى الآن. وقد أتى قرار صالح بالإلغاء بعد عامَين فقط من إعلان “الإصلاح” (الإخوان المسلمون) ترشيحهم صالح للانتخابات الرئاسيّة للعام 1999، قبل أن يعلن المؤتمر الشعبي العام (حزب صالح) نفسه ذلك الترشيح. فشكّلت تلك الضربة الموجعة للإخوان كسراً لن يجبّر بين صالح وحلفائه التقليديّين، ووصل الصراع بين الحليفَين مرحلة اللاعودة في انتخابات 2006 التي وقف فيها “الإصلاح” وشركاؤه ضدّ صالح لدعم منافسه فيصل بن شملان بشكل غير مسبوق على الرغم من أن صالح كسب الجولة مؤقتاً حينها.

تنظيم الإخوان في اليمن

أقامت شخصيات يمنيّة علاقة مع تنظيم الإخوان المسلمين العالمي حتى أسّست أوّل خليّة لها في البلاد في أوائل ستينيات القرن الماضي. واستند الإخوان إلى قوّة القبيلة والعاطفة الدينيّة لدى اليمنيّين. ثم ارتبطوا في علاقة تحالف مع السعوديّة وشاركوا في كلّ مراحل التحوّل السياسي التي شهدها اليمن كسلطة ظلّ، نجحت في عهد الرئيس إبراهيم الحمدي بتأسيس نظام تعليمي ديني مواز للتعليم النظامي، استمرّ حتى العام 2001.

وقد عزّز المدّ الاشتراكي الآتي من الجنوب، تحالف الإخوان مع نظام صالح في خلال حروب المناطق الوسطى (1978-1982) ضدّ ما أسموه المدّ الشيوعي، وذلك بدعم مباشر من الرياض.

مع تبنّي التعدديّة الحزبيّة في اليمن ما بعد الوحدة (1990)، أعلن الإخوان مع حليفهم القبلي الأبرز الشيخ الأحمر تأسيس حزب التجمّع اليمني للإصلاح ليرأسه الأحمر حتى وفاته. لكن السلطة التنظيميّة ظلّت حكراً على جناح الإخوان، فالقبيلة مجرّد قوّة حامية للتنظيم. وبحسب ما تمّت الإشارة سابقاً، فقد استمرّ تحالف الإخوان مع نظام صالح حتى العام 2001، ثمّ بدأ الصراع يشتدّ ليبلغ ذروته في العام 2006. وراح يتحدّث صالح عنهم بعدها باعتبار أنهم كانوا بالنسبة إليه مجرّد “ورقة” وقد أحرقت. لكن هذه الورقة المحروقة تحوّلت إلى ورقة حارقة لصالح في العام 20111.

ربيع الإخوان في اليمن

تزعّم الإخوان المسلمون “ثورة الشباب” ضدّ صالح وحشدوا لها بقوّة. وبدأت كفّة تحالفاتهم الإقليميّة تميل صوب الدوحة الداعم الرئيس لما سمّي بثورات الربيع العربي، وذلك في حين استمرّت الرياض حليفهم التقليدي بدعمهم لفترة زمنيّة.

بعد إزاحة صالح من الحكم بموجب المبادرة الخليجيّة التي رعتها السعوديّة أساساً بعد رفضه تدخّل قطر، تقاسم تكتّل اللقاء المشترك حقائب حكومة الوفاق الحاليّة مع حزب صالح (المؤتمر). لكن تأثير الإخوان ونفوذهم تجاوز مجرّد الشراكة، إلى حدّ محاولة الاحتكار ولو على حساب الشركاء. فعملوا على التغلغل السريع في مفاصل السلطة، لدرجة أنهم اتّهموا وحليفهم اللواء علي محسن الأحمر بتجنيد أعداد كبيرة من أنصارهم في مؤسّسة الجيش والأمن. وقد قدّرت بعض المصادر هؤلاء بنحو مئة ألف خلال العامَين الماضيَين.

الإخوان وإعادة فرز التحالفات

اتّهم الإخوان السعوديّة بمحاباة صالح ومساعدته على الخروج من السلطة بشكل مشرّف، فعزّز ذلك تحالفهم مع قطر وتركيا بعد اتّضاح صورة القوى الجديدة المسيطرة على الصعيد الإقليمي بأضلاع ثلاثة متشابكة ومتصارعة هي طهران وأنقرة والرياض، بخاصة بعد حركة 30 يونيو التي أقصت إخوان مصر عن السلطة.

ويدور إخوان اليمن في فلك تركيا/قطر ويؤيّدون ضرب نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهذا يكرّس عداءهم لإيران وبالتالي مع الحركة الحوثيّة الموالية لها في اليمن. كذلك، هم يؤيّدون عودة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، فيكرّس ذلك عداءهم الجديد للسعوديّة التي تدعم إزاحة الجيش مرسي بالقوّة، وبالتالي لحزب الرئيس السابق صالح الذي يؤيّد موقف الرياض من أحداث مصر.

خسارة الإخوان وتوسّعهم

بحكم ولاء رئيس حكومة الوفاق الوطني الحاليّة لـ”الإصلاح”، استطاع الإخوان السيطرة على عدد غير قليل من المناصب الهامة في مفاصل الدولة المدنيّة والعسكريّة، إلا أن ذلك شكّل في الوقت نفسه عاملاً هاماً لخسارة الإخوان شركائهم في الثورة الذين اعتبروا ذلك إقصاءً لهم واحتكاراً من قبل الإخوان وتنكّراً لمبادئ الشراكة المتّفق عليها. وبالتالي، تحوّل عدد كبير من قيادات وأعضاء تكتّل اللقاء المشترك إلى معارضين للإخوان.

ولأن الفراغ يجب أن يُملأ ولأن شركاء الإخوان ضعفاء نسبياً لا يمتلكون إلا الخطاب السياسي غير المستند إلى أي قوةّ على الأرض بخلاف الإخوان وحركة الحوثيّين الخصم التقليدي الحالي للإخوان، فقد استقطب الحوثي بعض قيادات القوميّين واليساريّين إلى صفّه وأفقد الإخوان مصداقيّتهم مع حلفائهم.

وعلى الرغم من تمتّع الإخوان بسطوة إعلاميّة كبيرة في الداخل اليمني، إلا أن تكريسها لمعارك الإخوان في مصر وسوريا قلّل من اهتمام وتأثّر الشارع اليمني بها.

إذا ما نظرنا جنوباً، نجد أن حزب الإصلاح (الإخوان) كان شريك صالح في حرب 1994 ضدّ اليمن الجنوبي. وقد تورّطت بعض قياداته الدينيّة بإصدار فتاوى لتبرير تلك الحرب، وهو ما زال يقف بشدّة ضدّ مطالب بعض قوى الحراك الجنوبي بفكّ الارتباط عن الشمال. إلى ذلك، أدّت أنشطة بعض أنصاره ضدّ الحراك مؤخراً إلى  اتّخاذ الشارع الجنوبي موقفاً من الإخوان، أتى كردّ فعل على تاريخ هذه العلاقة السلبيّة ما بين الإخوان والجنوب.

انطلاقاً مما سبق وعلى الرغم من سعي الإخوان وإعدادهم للوصول إلى السلطة في اليمن بخاصة بعد خسارتهم لها في مصر وعلى الرغم من كلّ الدعم القطري/التركي، إلا أن فرصهم في تحقيق ذلك تتضاءل مع كلّ تشابك في علاقاتهم مع شركائهم وخصومهم على حدّ سواء. وذلك بخاصة مع اتّهامهم من قبل بعض شركائهم باستغلال نفوذهم الحالي لتحقيق مكاسب مؤقّتة. وقد وصل بهم الأمر إلى حدّ خوض معارك طويلة لفرض أعضائهم في مناصب معيّنة حتى على مستوى مدراء العموم، مثلما حدث مؤخراً مع استصدار قرار جمهوري بتعيين أحد هؤلاء مديراً تربوياً في تعز ضدّ رغبة المحافظ وتجاوزاً لنتائج اختبار الكفاءة التي يخضع له المرشّح لهذا المنصب والتي كانت قد أشارت إلى فوز شخص آخر به قبل أشهر. وعلى سبيل المثال أيضاً، تعيين شخص غير مؤهّل وكيلاً لوزارة النفط للشؤون الماليّة.

إلى ذلك، تم الكشف مؤخراً عن وثيقة يجيز رئيس الحكومة بموجبها تأجير جامعة العلوم  والتكنولوجيا (المحسوبة على الإخوان) كأرض حكوميّة مساحتها 10 آلاف و710 أمتار مربّعة لمدّة 99 عاماً مقابل مبلغ 8 آلاف و643 دولاراً أميركياً كإيجار سنوي، أي بشكل شبه مجاني.

ولا يدرك إخوان اليمن على الرغم من تنظيمهم الدقيق وذكائهم المشهود له، أن تراكمات مماثلة قد تؤدّي إلى تراجع تقبّلهم شعبياً، وأن الشراهة والاستعجال في الحصول على مغانم السلطة والثورة لصالح التنظيم وحده يقدّم دعاية انتخابيّة مجانيّة لخصومهم.

لم يستفد إخوان اليمن من تجربة مرسي في مصر، وهذا الاندفاع الأعمى والإصرار على الركون إلى قوّة التنظيم وتحالفاته والثقة المفرطة بها وتجاوز الشركاء من دون اعتبار، لن يقود إلى نهاية سعيدة كما يبدو.. فإن الطمع يهلك ما جمع بحسب ما يقول المثل العربي القديم.

Al-Monitor نشر هذا المقال في 

10