في الحادي والعشرين من الشهر الجاري، اتخذ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي موقفاً معلناً من الحرب في اليمن في بيان حمّل الحوثيين مسؤولية الأحداث، وشمل تشخيصاً أكثر شمولاً للمشكلة واتزاناً لا تتمتع به بيانات ومواقف بقايا الدول الإقليمية والغربية عادة.
ومع وصول الاستقطابات الإقليمية والدولية بخصوص اليمن أوجها، وباتساع الهوة التي كان بإمكان بعض الدول الإقليمية سدها في اليمن لوقوف غالبيتها مع طرف ضد آخر، مباشرة أو ضمنياً، وغياب أي طرف إقليمي أو دولي ذي ثقل وصدقية واسعة في اليمن، فإنه يتعين على دول الاتحاد الأوروبي (بل يجب عليها) أداء دور الوساطة في إنجاز اتفاق سلام داخلي وإقليمي واسع للحفاظ على اليمن من خطر تفكك وشيك يعيشه في هذه الأيام ووضع إنساني كارثي، مع دخول [عملية «إعادة الأمل»] بعد «عاصفة الحزم» أسبوعها الرابع وغياب أي أفق واضح للحل السياسي حتى الآن.
إن فرص الاتحاد الأوروبي في المساعدة على تحقيق سلام في اليمن، مرتفعة أعلى من منظمات وهيئات وتحالفات دولية أخرى لأسباب عدة أهمها، أنه منظمة رائدة لا تخضع لسيطرة دولة معينة في توجهاتها بما قد يضعه تحت طائلة الاتهام بالارتهان لمصالحها دون الدول الأخرى التي قد يكون لبعضها موقف منحاز لأحد أطراف الصراع اليمنية، وبالتالي فهذا يمنحه قبولاً أكثر من غيره لدى أطراف الصراع التي لم تعد أيضاً ترى الأمم المتحدة بالمستوى نفسه من الحيادية الذي كانت تراه عليها في 2011.
إضافة إلى ذلك، فإن موقف الاتحاد الأوروبي ظل بعيداً من المواقف الرسمية لأميركا وغير ملزم بها بخصوص اليمن خلال الأعوام الماضية وهو أيضاً اتحاد مستقل عن الأمم المتحدة في مواقفه وأدواره تجاه اليمن وهذا يجعله أقوى منها بعد تدخلها الفاشل ومحل التشكيك داخلياً وإقليمياً. وتمتلك دول أوروبية عدة ثقلاً سياسياً وتنموياً واسعاً كألمانيا التي تعد أحد أقدم المانحين الغربيين لليمن ويمنحها ذلك أولوية أخلاقية لدى عموم اليمنيين، إضافة إلى أن دولاً كألمانيا أيضاً تمتلك علاقة قديمة مع الحوثيين حينما كان يحيى الحوثي – شقيق زعيم الجماعة – لاجئاً فيها منذ سنوات حتى عام 2014 وهي أكثر دولة غربية تمتلك خطوط تواصل مع الحوثيين.
كما أن لدى دول الاتحاد الأوروبي قاعدة معلومات حول طبيعة الصراع اليمني القائم مستمدة من مصادر متعددة ومطلعة ما يجعل رؤيته اقل أحادية، وملمة بغالبية مظاهر ودوافع ونتائج الصراع في شكل أقرب إلى الحقيقة الماثلة على الأرض. وقد طورت مختلف دول أوروبا تراكماً معرفياً وخبراتياً عن اليمن أوسع من ذلك الذي تملكه أميركا أو بريطانيا منفردة. وحتى الآن لم يسجل للاتحاد أي فشل لتجربة تدخل سياسية في اليمن، على الأقل مقارنة بالسجلين الأممي والخليجي.
علاوة على ذلك، فإن هناك دافعاً قوياً وهو العامل الاقتصادي، إذ علقت شركات نفطية أوروبية كبرى كتوتال الفرنسية أعمالها للمرة الأولى، على رغم عملها في أكبر مشروع للغاز المسال في اليمن، وأن استمرار العنف في اليمن له عواقب مباشرة على اقتصاد المنطقة والعالم ودول الاتحاد الأوروبي نفسها.
على الصعيد الدولي، بإمكان الاتحاد أيضاً لعب دور الوسيط وعامل التوازن بين كل من أميركا وروسيا وحلفاء كل منهما بالنتيجة. وحتى على الصعيد المحلي، فإن قدرته على ممارسة الثواب والعقاب أوسع من قدرة هيئات أخرى كالأمم المتحدة بحكم علاقات ومصالح الأطراف المحلية المختلفة لدى دول الاتحاد الكبيرة والمتعددة والواسعة.
بالتالي، فأمام الاتحاد على صعيد لحظي فرصة الدخول للعب دور صانع سلام في أشكال مختلفة، إما عبر صوغ مبادرة سلام مشتركة أو دعوة الأطراف اليمنية لتقديم رؤاها للحل، أو حتى بالدعوة إلى حوار غير مشروط يرعاه في إحدى دوله أو في عاصمته التي ليس لأي طرف يمني موقف معاد لها، ولتحقيق ذلك. وبإمكانه على الأقل دعم الجهود العمانية أو التنسيق معها من أجل تحقيق مبادرة سلام واسعة وملزمة وواقعية يقف وراءها ثقل الاتحاد، وليس فقط مسقط.
يمكن الاتحاد العمل حالياً على الدفع المباشر نحو وقف إطلاق نار شامل محلي وخارجي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالمرور وإيقاف الحصار البحري على المواد الغذائية، وهذا كفيل بمنحه قبولاً أوسع عند الشارع اليمني وأطرافه المتورطة في الصراع المختلفة.
اليمن يغرق تدريجاً في الجحيم، منذراً بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية وأخطرها في العالم. وتفاقم العنف في هذا البلد الفقير أصلاً، أدى إلى تفاقم التجاذبات الإقليمية بخصوصه معطلة فرص أي دور وساطة إقليمية لتحقيق السلام.
إن كل ذلك لا يجعل من أي دور محتمل للاتحاد الأوروبي في اليمن يتمتع بنسبة نجاح كبيرة فحسب، وإنما أيضاً يقدم للاتحاد فرصة تحمل مسؤولية أخلاقية هائلة، كونه لم يعد بإمكان الكثير من الهيئات والدول الأخرى القيام بجهود سلام كتلك التي يمكن أن يقوم بها الاتحاد الأوروبي في اليمن. إن الاتحاد الأوروبي هو من المجموعات الدولية القليلة التي لم تكن مورد سلاح إلى اليمن خلال العقود الماضية، وقد وفر له ذلك غطاء أخلاقياً واسعاً في اليمن، ويمتلك اليوم فرصة واسعة لتفعيل هذا الثقل الأخلاقي والسياسي من أجل تحقيق سلام طويل المدى في اليمن.